أرض النفاق” للأديب يوسف السباعي وتناغمها مع واقعنا”

بقلم موريس منصور

من مّنا لم يسمع عن الأستاذ الأديب الراحل والكاتب المصرى يوسف السباعى والملقب فى ذلك الوقت بفارس الرومانسية ،كان وزيرا للثقافة عام 1973، رئيسا لمؤسسة الأهرام ونقيبا للصحفيين، كان له قلب رقيق يظهرها فى قصصه الإجتماعية، السياسية والرومانسية. كانت له قصة “أرض النفاق” وأخرجت للإنتاج السينمائى، وكان لها نجاح كبير رائع. كما وعلمت مؤخرا أن الممثل القدير والمخرج محمد هنيدي سيقوم بإخراج سينمائي حديث للقصه نفسها.

لقد كنت من قراء قصصه وعاشق لأسلوبه الذى يجسد العديد من الشخصيات والأحداث فى خيال واقعى وأحلام غير ملموسة مما جعلنى أقف هنا فى هذا الزمن عند قصته “أرض النفاق”.  فقد كتب فى إحدى سطوره ” ياتاجرالحق فى أرض النفاق، يا بائع الصدق فى دنيا الرياء، يا مهدى الشجاعة لمعشر الجبناء والإخلاص لقوم ضاع بينهم الحق وعز الوفاء …” “إن بارت تجارتك مع أهل الأرض فلن تبور مع أهل السماء”.

أتعجب بل كثير مّنا يتعجب من هذا الزمن الكاذب المنافق، وكيف وصلنا فيه الى نقطة تهبط الى أسفل على الرغم من أن زماننا هذا هو زمان التقدم التكنولوجى. إن القصة تتناغم مع الواقع المرير، نفوس مزيفة، أناس بأكثر من وجه، قلوب صامتة هامسة، أسرار لا كاتم لها، حقا أرض من نفاق وأناس كلهم نفاق … إن أجمل ما فى القصة خيالها المتمثل فى تعاطي حبوب الأخلاق فى كل العصور، وآفاتها آفة كل الأوقات، تثبت أننا لم و لا نتغيرلأننا لا نريد أن نتغير. وكما قال قائل: “أصبحنا وحوشا لا نرحم أنفسنا، نأكل بعضنا بعضا حتى وصلنا الى بؤرة نحتاج فيها للشفقة وحب الغير، بل أصبحنا نعيش فى زمن النفاق”.

لقد كتب يوسف السباعى قصة “أرض النفاق” فى أواخر القرن العشرين حيث كان له خيال واسع وكأنه يختم قصته هذه بأنها حلم. كان يرى الحياة أنها حقيقة وليست خيال. واليوم نرى أنفسنا حقائق ثابتة، وأن الخيال أصبح حقيقة، وأن الحلم أصبح واقع ملموس.

أين حب الاسرة بعضها بعضا؟ أين الأخلاق الحسنة والقيّم الطيبة؟ أين حفظ الجميل والصفات الحميدة التى نادت بها جميع الأديان؟ كدنا نفقد الأمل فى سلوك الانسان والدنيا فى كذبها ونفاقها، لكن لولا إيماننا بقوة الخالق وشدة ايماننا بالله عز وجل، نرى أن هناك بصيص من الأمل فى صحوة النفس ويقظة الضمير.

لو كان في استطاعة القارئ أن يقرأ قصة ” أرض النفاق “، سوف يجد أن كل ما جاء فيها حقائق تثبتها الأيام وتحقق ما جاء بها من أحلام. كتب يوسف السباعى فى قصته أرض النفاق “يا أهل النفاق … تلك هى أرضكم … وذلك هو غرسكم … هذه قصتكم … ومن كان منكم بلا نفاق فليرجمنى بحجر.

الشعور بالسعادة

بقلم موريس منصور

نحن فى عصر نحتاج الى فهم مسيرة الحياة ، وكيف نعيش ونفكر . نحتاج الى مواجهة الواقع الحاضر، يلزمنا الوعى الصحى والإرشاد الصحيح من أشخاص ذات خبرة فى الحياة ، ذات عقول مفكرة على أُسس علمية صحيحة . نحتاج الى إيمان قوى وعدم الإنحياز عن المبادئ الأخلاقية الحميدة . لقد تعلمنا من آبائنا ونشأنا على احترام الآخرين ، وكما يقول المثل: لاتعلو العين على الحاجب . هذا ما ورثناه من آبائنا على مدى السنين ، وكبرنا على ما أرشدتنا به الكتب السماوية . فالسعادة لا تُشترى بالمال ولا تُباع . بل السعادة هى القلب النابض ومحور الحياة . وعندما أتكلم عن السعادة من الوجهة الفلسفية فأقول : اننا نجدها فى الحس والفكر معا . فهى ترتبط بتحقيق االخير الذى تُستنتج من اختياره والتى تدفعه الى التأمل . لقد وصل أرسطو فى فلسفته الى أن السعادة قد تتحول الى عشق ميتافيزيقى، بمعنى : سعادة فكرية روحية . فهى ليست سعادة فردية بل هى سعادة جماعية ترتكز على التأمل ، فهى حكمة وتريث ، عقل وفكر .

فكيف تشعر بالسعادة وأنت تمتص دماء البسطاء الفقراء ؟ وكيف نقبل على أنفسنا أن ننام ظالمين غير مرتاحين الضمير معللين ان الحياة هى التجارة ، والتجارة حلال ؟  كيف تقبل على نفسك بأن تنسى الجميل يومًا ما من شخص قريب أو بعيد قد استطاع أن يأخذ بيدك أيام تحصيلك العلمى فى مسيرة حياتك ؟

ان عصرنا اليوم هوعصرصراع الإنسان للقضاءعلى أخيه الإنسان. الكذب والنفاق …..الخ وانتشارهم فى  مجتمعنا الديمقراتى الحر وفى جاليتنا العربية الأصيلة بقيمها الأخلاقية ، إن هى إلا مسامير فى أخلاقنا النيّرة الحميدة . بمعنى أنّ النفاق هو القضاء على أمانتنا ، واستقامتنا ، وصدقنا بل ومضوعيتنا ، فيصبح التهليل والتطبيل هى سلعة حاضرنا . فقدان الأخلاق ، ونسيان المبادئ وغيرهم ، هم التيارات المتبادلة التى تسير عليها البشرية فى عصرنا هذا .  اننا نعيش فى محنة أخلاقية . فالقوى يأكل الضعيف ، والقادر يهدر حقوق الآخر . فقد وصلنا الى الانهيار السلوكى والاجتماعى ، والى مرحلة الضعف البشرى .

نحن فى حاجة ماسة الى السعى لتقديم العلاج والبحث عن الأسباب التى أدت بنا الى هذه الحالة من الانحطاط الخلقى ونسيان المبادئ الآخلاقية التى لن تذوب على مر الزمان وقدم الأجيال . إن الكراهية اصبحت تحكم الأرض ومَنْ عليها ، فقد ضاع زمن الحب وأصبحنا قساة القلوب . إن إصلاح ما وصلنا اليه فى وقتنا هذا ، لهوأصعب  أنواع العلاج لأنه يرجع الى تصليح  جذور الأسرة والمدرسة والعمل لفهم وتنمية مدار الثقافة والعلم

رحيل الفيلسوف المبدع رائد مدرسة”علم نفس الإبداع”د. مصطفى سويف

بقلم موريس منصور

منذ أيام تصفحتُ جريدة الأهرام بتاريخ 2/7/2016 وإذ بى أُفاجأ تحت ” هوامش حرّة ” لأحد كتاب جريدة الأهرام الدائمين الأستاذ فاروق جويدة بمقال ” ورحل د.مصطفى سويف ” . لقد هّزنى هذا الخبر المؤلم حيث كان الاستاذ د. الراحل أحد أساتذتى بجامعة القاهرة ، وقد تتلمذ على أيدى د. يوسف مراد  أستاذ علم النفس ، د. مصطفى زيور  فى ذلك الوقت . وقد زادنى ألما عندما تذكرت بكل فخر أكثر أساتذتى الأفاضل د.زكريا ابراهيم ، استاذ المنطق الوضعى د.  زكى نجيب محمود ، د.توفيق الطويل ، د.الخشاب ، د.عثمان أمين ، د. رشاد رشدى .. الى آخر قائمة علماء الفلسفة والنفس والاجتماع واللغة الإنجليزية  وغيرهما.  وأخذتنى الذاكرة وكأننى أجلس فى غرفة البحث بجانب زملائى الطلبة نستقى من هؤلاء الفطاحل الأفاضل الذين تخرجوا من جامعات أوروبا وأمريكا ليضعوا بذور العلم وجذور الفهم فينا . إن هؤلاء الأشجار التى لن تموت ولن تعّوض أبدا على مدى الدهور قد كُتبت أسماؤهم فى التاريخ . لقد كتب الأستاذ فاروق جويدة نبذة صغيرة ملخصة عن استاذنا الجليل الراحل د. مصطفى سويف هذا نصها :

هوامش حرة

ورحل د. مصطفى سويف

فاروق جويدة

رحل فى هدوء عالمنا الجليل د. مصطفى سويف أستاذ علم النفس وصاحب أقدم المدارس المصرية فى التحليل النفسى .. رحل أول باحث يدخل منطقة الإبداع ويحاول ان يكشف خباياها واختار الشعر ديوان العرب وأقدم فنونهم ليكون مجالا لدراساته النفسية .. حين اختار د.سويف هذا الجانب فى الدراسات النفسية كان رائدا فيه خاصة انه اختار الشعر وحاول ان يغوص فى المواهب المبدعة من الشعراء من خلال المنهج العملى التجريبى بحثا واستنتاجا وتحليلا وكان هذا أمر جديد على الشعر والدراسات النفسية .. كان أستاذا من أشهر الأساتذة فى كلية الآداب جامعة القاهرة ورغم اننا كنا ندرس الصحافة إلا إننا كثيرا ما تسللنا إلى محاضراته فى علم النفس كما كنا نتسلل إلى بقية الأساتذة الكبار فى هذا الزمان رشاد رشدى وزكى نجيب محمود ومحمد انيس والخشاب وشوقى ضيف وسهير القلماوى وزكريا ابراهيم .. كان زمانا سخيا فى كل شىء علما وثقافة وتأثيرا.. كان من رموز هذه النخبة د.سويف وهو الذى انشأ أكاديمية الفنون وكان أول رئيس لها وقد كان نموذجا للمثقف الموسوعى كان عاشقا للشعر والأدب باحثا فى العلوم الإنسانية ابتداء بعلم النفس وانتهاء بعلم الاجتماع وكانت له دراسات عميقة فى الإدمان والمخدرات وهذه الأمراض التى حملتها لنا الحضارة تحت ثياب المدنية والمعاصرة ومنذ سنوات رحلت رفيقة مشواره د.فاطمة موسى أستاذة الأدب الانجليزى وواحدة من مؤسسى قسم اللغة الانجليزية بجامعة القاهرة .. فى السنوات الأخيرة كان أحيانا يشارك رغم سنوات العمر التى تقدمت به فى اجتماعات المجلس الأعلى للثقافة وكان يصر على الحضور رغم ظروفه الصحية الصعبة .. لقد أضاف د. سويف للمكتبة العربية مجموعة ضخمة من الكتب والدراسات فى علم النفس والاجتماع وأسس مدرسة فى التحليل النفسى للشعر والشعراء كانت ومازالت إضافة فريدة فى هذا المجال .. فى كل يوم تفقد الثقافة المصرية علما من أعلامها الكبار الذين أضاءوا عقل هذه الأمة ووضعوا مصر فى مكانها ومكانتها دوراً وتاريخاً ومسئولىة .

الفن في فلسفة التغييروالتحول

بقلم موريس منصور

قيل أن الفلسفة أم العلوم ، بمعنى أن جميع العلوم قد نشأت من الفلسفة التقليدية ، وأن تيارات العصر الحالى هى تيارات العلوم الطبيعية التجريبية . فالفلسفة هى بحث عميق يغور فى باطن الفكرة حتى يصل الى النتيجة المطلوبة .  ولعلنا ندرك أن هناك هوة واسعة بين الفلسفة والسفسطة ، فالأولى لها نتائجها الحيوية المفيدة عكس الثانية التى هى حديث وجدال ليس له معنى بل يؤدي في النهاية الى صعوبات ومشاكل لحياتنا البشرية . لقب الفيلسوف سقراط بمحاوراته بأنه  « أبا الفلاسفة « ثم جاء بعده تلميذه أفلاطون بجمهوريته ثم أرسطو بنتائجه التي ما زالت حتى وقتنا هذا . إن حكمنا على الفلسفة بالدقة العلمية قد تؤدي بنا الى َمن هو الفيلسوف؟  فكلما أراد باحث أن يكون لبحثه كل الدقة التي يتطلبها ؛ فعليه أن يقف متأملا طويلا في الأركان الأساسية من التفكيرالعلمي .

لقد لفت نظري منذ أيام مضت بعض المقالات التى تنادي بمزيد من العمل الفني المبدع على كافة المستويات حتى تصل بدورها الى التقدم والإزدهار فى حياتنا المعاصرة . فالفنون جميعها : موسيقى ، غناء ، ورسم ….الخ هي أسمى درجات الرقي بالإحساس المرهف للإنسان ، هى أوتار الجهاز  العصبي التى تكمن فى دائرة القلب النابض لكل فرد والتي بدورها تتلقى أوامره من العقل البشري فيترجمه الى تأمل وخيال وإبداع فى الرؤية ثم التفكير والبحث الى التذوق .

ولكن هناك سؤال يطرح نفسه بنفسه : كيف أحس بل كيف أتذوق معنى الفن إن لم يكن لي معنى للتذوق الحسّي طريقا ؟  وهل عودتنا الأيام فى الصغر أن نتذوق معاني الفنون ؟  بل هل كان لدينا نصيب فى تدريب أفكارنا وحياتنا على الخيال والخلق والإبداع حتى نكون في يوم من الأيام فلاسفة عصرنا ؟  إن جالياتنا  تفتقر الى التذوق الحسّي والمعرفة الفنية ،  بل هي فى أشد الحاجة الى الرقي بهذا العمل على جميع المستويات الفنية والثقافية واللأدبية …الخ ، وفي اعتقادي أن هناك أعمال معاصرة متعددة بين آن وآخرتشهد للعقل الإنساني المفكر بأنها نتاج عمل خلآق يجعل الأنسان البشري بأن يتحول من قوقعة الفكر التقليدي الى الإنفتاح الزمني نحو الحب والسلام والجمال . فهناك على سبيل المثال معرض  «ثريشهولد» ، ومعناه «نقطة التحول» للفنانة التشكيلية المعاصرة مارسيل منصور يكشف لنا عن الفن الذي قد يكون مؤشرا قويا في تغيير الإنسان البشري من جبروته وعجرفته ، ومحولا ينبعث من القلوب ليشع النور الإلهى الذي وهبه الله للإنسان . إن معرض ثريشهولد حديث فى إبداعه وعرضه بل في معناه .  فنانة ترسم بالنور بألوان متغيرة راقصة فى صناديق خشبية غير مدهونة ، ومنها ما يحتوي على بعض المواد ذات المغزى المفيد مثل تراب أرض الوطن و زيت الزيتون والحصلبان والملح والرخام والشاس والذهب الخالص معيار 24 قيراط ، كلها توُدي الى أشكال رائعة تنقل الزائر بإحساسه وفكره وروحه معاً ، وتشعره ببصمات الهوية والطبيعة الخلابة ، سارحا فى إحساسه المرهف واسترخائه الذهني وفي نفسه والعالم من حوله .

إن فكرة هذا المعرض تهدف إلى دعوة الناس ? على المستوى الفردي والجماعي من أشخاص وقادة وسياسيين –  هي دعوة الإنسان إلى تبديل حياته الى حياة الصفاء والمحبة والسلام والبعد عن الحياة المادية التي يحكمها الشيطان الى حياة الروح والصفاء . فإذا استطاع الإنسان أن يغير من نفسه كان من السهل عليه أن يغير الآخرين ، وقد يستطيع بالتالي أن يُوثر فى تغيير النظم السياسية التي تسعى الى الماديات وتبتعد عن الروحانيات .  لقد لاقى هذا المعرض تشجيعا من جامعة سيدني للفنون ،  وعليه قد حصلت الفنانة مارسيل منصور على  درجتّي ماجستير في الفنون الرفيعة و الذي حظي بعرضه في نيو يورك بأمريكا العام الماضي .

لقد استطاعت الفنانة التشكيلية مارسيل منصور أن تصل الى عمق فلسفة حياتنا وهي المحبة والسلام . ان عصرنا هذا يحتاج الى غربلة أفكارنا وتغيير مناهج حياتنا كما أن مناهج البحث في الجامعات تتغير من زمن الى زمن .  فإذا استطاع الإنسان أن يغير من نفسه فقد يستطيع أن يطور من حياته ومن المجتمع والعالم الى الأفضل .

لقد أبدعت الفنانة مارسيل منصورعند إلقائها قصيدتها باللغة الإنجليزية بعنوان « الحوار الروحي مع النور» والعربية بعنوان :» تعالوا نتحول ونحول» ، وكذلك عند شرحها عن الوحدات الفنية للمعرض في  «حديث الفنان «. إن الفنانة مارسيل منصور ،  فنانة متعددة المواهب بكل ما تحمله الكلمة من معنى :  رسامه ، مصممة ، شاعرة ، صحافية ، وناشرة ، كاتبة وناقدة إذا أرادت… بل فيلسوفة إذا أبحرت فى فكرها و خيالها وتأملاتها ، بل هي خلاقة فى إحساسها

المعرض لا يزال مستمراً حتى نهاية هذا الشهر في متحف ماري ماكيلوب نورث سيدني كل يوم من العاشرة صباحاً حتى الرابعة على العنوان التالى

7 Mount Street, Mary MacKillop Place, North Sydney

http://www.marymackillopplace.org.au/whatson/fx-articles.cfm?loadref=106&id=156