By Marcelle Mansour بقلم مارسيل منصور
طالما شدنى قلمى نحو العودة الى الكتابة … والتى كنتُ قد تغيَبت عنها لمدة طويلة من الزمن … وكم من المرات نويتُ برغبتى الشديدة الى الرجوع اليها … على أمل أن أستمر فى كتابة عمودى الخاص ” كلمة عابرة ” والذى كان يُنشر أسبوعيا فى صحيفة النهار الغرَاء فى ذلك الوقت … وإن كان هذا فى الثمانينات والتسعينات … ورغم إنشغالى الدائم ، إلا أنه كان يراودنى الحماس لإحياء هذا العمود الذى كان بمثابة قطعة منىَ حين كنت أخط كلمة لتعبر وتمضى … ! ولكن طالما أجلت ذلك وتجاهلت تلك الرغبة الملحَة بسبب إنشغالى فى مجالات الإبداع الأخرى مثل الفن المرئ الذى يسلبنى وقتا وجهدا . ولكن رغم كل الظروف المحيطة بى ، إلا أننى لم أفقد الحماس يوما بالرجوع الى الكتابة ، وظل هذ الحماس يراودنى ، الى أن شاء القدر يوما فجعلنى أشعر بضرورة وإلزامية المسؤلية المُلقاة على عاتق الفنان أو الكاتب أو المبدع ، وذلك من أجل أسباب عديدة أذكر منها الإيمان بحقيقة الخلود فى عالم السماء ، وحق الوفاء فى عالم الأرض . وأرجو أن لا تستغرب عزيزى القارئ لما أقول ، لأن حياة المصادفة ومشيئة القدر كانت وما زالت تلعب فى حياة المرء ـ أو فى حياتى بالذات – دورا هاما . وإن كنتُ أحيانا أتجاهل هذه المصادفات ، إلا أنَ بعضها مهم فى حياة الانسان مناَ … لأنها توقظ فى نفسه مشاعر جديدة ، وتوَلد فى روحه أفكارا سامية ، وآفاقا واسعة ، كما وأنها تنسج خيوط التاريخ الذى نعيشه.
ومن أجل الإختصار فلا بد وأن أذكر أنه فى اليوم الثالث من شهر يوليو (آيار) عام 2013 ، كنت بصحبة زوجى فى مكان ما … وشاء القدر فى ذلك الوقت … وبالصدفة على غير موعد أن نرى النصب التذكارى الخاص بفقيد الجالية الراحل بطرس عندارى ”أبو زياد”… فى لحظة إنتهائه … وقبل أن يراه أى شخص آخر من عائلته … فلم أصدق عينىَ ورحتُ أقرأ كلمات الشعر المرصَعة بورق الذهب الخالص … عندها أحسستُ برعشة سرت فى كيانى … فارتجفتُ … وشعرتُ بوجود روح بطرس عندارى التى لم تمت ..! لأنه بالفعل كان هو صخرةُ الكلمة … ومجد الصحافة الذى بناه على أكتافه لجاليتنا العربية . فالتقت بعض الصور لذلك النصب والموقف بصورة تلقائية بحته . وفجأة رجعت بى الذاكرة الى الوراء ، ليتراءى أمام مخيلتى شبه شريط سينمائى ، يسرد إنجازات أبو زياد ، ودوره فى تأسيس الصحافة العربية فى بلاد المهجر، ومدى تأثيرها على كل من عاصره فى جاليتنا العربية الاسترالية … فأنا ما زلت أذكر يوم فوزى بجائزة صحيفة النهار بمناسبة العام المئوى الثانى لاستراليا عام 1988 ، والتى منها انطلقتُ فى الكتابة … ثم تذكرتُ على الفور كلمة المرحوم ”أبو زياد” فى زاويته ” كى لا ننسى ” بعنوان ” راهبات عبرين ” فى 10 سبتمبر 1992 والتى قمتُ بدورى بكتابة تعقيب عليها فى عمودى ” كلمة عابرة ” تحت عنوان ” من أجل يقظة ثقافية ” بتاريخ 24/9/1992 ، وفيها مشيرة الى ما كتبه ” … وافتقار هذه الجاليات العربية الى مركز ثقافى واحد ” … هذه الفكرة استلفتت نظرى ، فقمتُ بالتعليق عليها وقلت … “… إننا نريدُ أصواتا عالية مثل صوت أبى زياد لتنادى بتشييد وبناء مركز ثقافى اجتماعى ، فاذا كانت عشرات الكنائس والجوامع تقدم طعاما روحانيا ، فإن بناء مركز ثقافى واحد سيقدم غذاءا فكريا وفنيا مبدعا . “
على أى حال … هذه الفكرة التى أوردها أبو زياد هى أمانة فى أعناقنا نحن أبناء الجالية العربية . وإن كنا اليوم باسم ” تجمع الوفاء لبطرس عندارى ” نسعى جاهدين من أجل تحقيق هذا الحلم ، وكلنا أمل بأن يتحقق … وإن كان يعزَ علينا غياب المرحوم أبو زياد … لكنه هو الغائب الحاضر … وستظل روحه ترفرف حول أصحاب الفكر والإبداع ، لأن ذكراه هو أقوى من الكلمة ، بل هى أقوى من أى نصب تذكارى ، او نحت أو رسم فنى أو صورة ، لأنه هو حىَ فى دنيا الخلود ، وذكراه لا تُنسى فى ” كى لاننسى ” لأن الذكرى هى أقوى من الموت وأكبر من الحياة ، لهذا قررتُ اليوم العودة الى الكتابة فى “كلمة للذكرى” تحت “كلمة عابرة “
25/3/2013 هذا المقال قد نشر في جريدة التلغراف العربية ، تحت عمود “كلمة عابرة “، بقلم مارسيل منصور بتاريخ