فيض النور العجائبي في القدس

By Marcelle Mansour بقلم مارسيل منصور

في يوم السبت الماضي من هذا العام بتاريخ 5 مايو( أيار) 2013 احتفلت الكنائس الأورثوذوكسية ذات التقويم الشرقي بعيد القيامة المجيد (عيد الفصح) في جميع أنحاء العالم . وأبرز ما يميز هذا الاحتفال هو فيض النور العجائبي المقدس في كنيسة القيامة في القدس القديمة حيث زخرت الكنيسة هناك بعدد هائل من عشرات الآلاف من المقدسين (الحجاج) في جميع أنحاء العالم على اختلاف جنسياتهم بما فيهم العرب المسيحيين المحليين .

وقد يسأل البعض … ماذا يحدث في القدس في يوم سبت النور؟ في هذا اليوم تحدث أعجوبة انبثاق النور المقدس سنويا حين يفيض هذا النور العظيم من قبر المسيح عليه السلام في نفس الوقت ظهرا من كل عام … ولا بد وأن يكون هذا الحدث في كنيسة القيامة بإعبتارها الأقدس مكان فى العالم ، حيث صُلب المسيح ، ومات الجسد ، وقام من القبر فى اليوم الثالث ساحقا قوة الموت ومنتصرا على الشر وظافرا بالحياة الأبدية . فمنذ الساعة الحادية عشر صباحا يبدأ المسيحيون العرب فى الترانيم الدينية وتدق طبول الكشافة وسط هذا الاحتفال العظيم ، كما وتقوم السلطات الحاكمة بمهمة تفتيش القبر المقدس والحفاظ على النظام .

وفى هذا العام قام بطريريك القدس ” ثيوفيلوس الثالث فى القدس وجميع فلسطين ” بإشعال النار المقدسة لجميع الحاضرين ، ووفقا للتقاليد حمل معه حزمتين من الشموع فى يديه والمكونه من 33 شمعة هى رمز عدد حياة المسيح على الأرض ، كما وأن البطريريك لا يحمل معه أى مصدر من الضوء ، حيث كانت الشموع بلا لهب ، فى جو تمَ فيه قطع كافة الأضواء الاصطناعية ، وكالمعتاد بعد الساعة الثانية ظهرا أُشعلت النار المقدسة فى أقل من خمسة عشر دقيقة فى هذا العام حيث خرج البطريريك حاملا شعلة النور العجائبى وأعطى منه للحجاج … هذا الضوء يستمر لمدة 33 دقيقة دون أن ينطفئ ودون أن يحرق أحد يلمسه كما يقول شهود العيان … كذلك يتم ترحيل هذا النور المقدس الى العديد من الكنائس حول العالم .

قد يسأل البعض … وربما يشكك فى حقيقة هذا النور العجائبى؟  أهو حقيقة أم هو أى شئ آخر ؟ .. والجواب هو كما سجَله التاريخ أن هذا النور هو رمز النور الأبدى وهو الحقيقة التى لا تحتاج الى برهان … فلو تتبعنا أثره منذ قرون لوجدنا أنه قد أشير الى أن القديس بطرس قد رأى النور الإلهى بعد قيامة المسيح فى عام 34 كما وأن الناسك الروسى دانيال قد روى لنا تفاصيل هامة حدثت فى القرن الثانى عشر عند زيارته للقدس فى فلسطين 1156-1107 فشرح تفصييليا عن وقائع انبثاق النور … كما ويذكرنا التاريخ بفشل المتشككين فى محاولة إثبات عدم صحة هذه الظاهرة ، وأذكر منها حادثة انبثاق النور الإلهى عموديا وشق عمود الرخام اليسارى متجها نحو البطريريك الأرثوذكسى ، أثناء الحكم التركى للأراضى الفلسطينية المقدسة … ولا زال هذا الشق فى العمود يشهد هذه الحقيقة حتى يومنا هذا ويسمى ” مكان الشق “، ويجدر الذكر أنه كان هناك فى العام الماضى بعض الفيزيائيين من ذوى الخبرات العلمية والذين قاموا بإجراء بعض البحوث من أجل الكشف عن الظواهر التى يتم فيها الحدث  ، فلم يصلوا الى أى نتائج مجدية . ويقول البطريريك أنه ليس هناك شكاَ بأن هذه النار هى نور عجائبى بحت . فلو كان ما يحدث غير حقيقيا لما كان هناك معنى للخلاص ، هذا وأن هناك عدد من الظواهر العجائبية التى تظهر فى القدس وفى الأراضى الفلسطينية المقدسة كل عام . مثل تغيير مجرى نهرالأردن وظهور سحابة تحيط بالدير فى عيد التجلَى … مثل هذه المعجزات تحدث بإنتظام ، ويمكن أن يشاهدها العامة بشكل مباشر ، وقد أكد على ذلك فريق من خبراء الأرصاد الجوية الإسرائيلية والروسية والذين عجزوا عن تفسير هذه الظواهر . اذن هذه المعجزات ليس لها تفسيرا علميا رغم البحوث والتحاليل . وما هى إلا ظواهر خارقة للطبيعة وترتكز أساسا على الإيمان المطلق ولا تحتاج الى برهان .  وطبقا لعلماء الدين والمؤرخين وعلماء الآثار والفيزيايين والخبراء المتخصصين ، فان معجزة ” النار المقدسة ” تظل أعظم من جميع المعجزات المسيحية ، وكما قال رئيس أساقفة طبرية ” أنه لا يمكن أن يكون هناك معجزة من غير إيمان وأن هذه المعجزة تخدم غرضا واحدا هو تمديد نعمة الله فى الخلق “

وإذا سألت عزيزى القارئ عن مدى حقيقة هذه المعجزة … فأستطيع القول أن طبيعة هذا النور المقدس ينبثق بقوة عجائبية سرمدية وهى نابعة من خلال  التدخل الإلهى والذى لا يمكن تفسيره إلا بالإيمان ،  وكما قال الفيلسوف الألمانى كانت ” إن علم الغيب لا يمكن الوصول اليه إلا بالإيمان ، لأنه تفسيره هو أعلى من مستوى القدرات العقلية للذكاء البشرى ” ، وعلى القارئ إذن أن يختار ما بين” أن تصدق أو لا تصدق ” لأن عملية الإيمان هى شخصية بحته … وهذا ما يذكرنى فى “رهان باسكال ” الفليسوف الفرنسى عندما قال ” اذا كنت مؤمنا أو غير مؤمنا ففى النهاية إما أن تكسب أو تخسر ، فمن الأفضل إذن أن تكون مؤمنا وتكسب خيرا من أن لا تكون وتخسر ” . وما أجمل أن يكسب الانسان النور الإلهى الكامن فى الحياة الأبدية .

  4/5/2013 هذا المقال قد نشر في جريدة التلغراف العربية ، تحت عمود “كلمة عابرة “، بقلم مارسيل منصور بتاريخ