النور والإدراك الحسى فى الفن
By Marcelle Mansour بقلم مارسيل منصور
فى إعتقادى أنه ليس من حق الفنان أن ينجز أعماله الفنية دون أن يضمر لها فى نفسه دلالات محددة أو أهداف مُعينة أو رسالة مفيدة ، يخرجها الى العلانية إذا ما طُلب منه.
لقد اختار الكاتب الأب يوسف جزراوى هاتين اللوحتين بعنوان “ليباراشين” بمعنى ” التحرير ” أو ” التحرر ” ، و ” متاميفوسيس” ” بمعنى “نقطة التحول” أو ” لحظة التحول ” ، لتكونا على غلافى الكتاب ، ولما طلب منىّ إبراز معانيها ، رأيت أن أشرح بإختصار شديد عن المعانى المُحددة . ومهما كان مدار الحديث هنا ، فالخلاصة هى أنّ التأمل فى الذات وما حولها والغوص فى أغوار النفس البشرية هى حالة تولَد فى الإنسان طاقة جديدة على أن يكتشف حقيقة نفسه والعالم من حوله حتى تتسع أمامه رقعة المعانى المُتلاحقة ، فينطلق من عالمه المحدود الى العالم الرحب ، فإن المحور الأول والأخير هو” الإنسان ” و “الإنسانية ” من أجل تغيير الواقع الى الآفضل .
هاتان اللوحتان هما بعضُ من الصور التى ألتُقطَتْ لبعض من اللوحات الضوئية أثناء تحركها فى معرض “ثريشهواد” بمعنى ” نقطة التحول ” . وهما ضمن سلسلة من العمل الفنى التجريدى المُعاصر الذى يُخاطب الأجيال فى أى مكان وزمان ، وقد استخدمت فيه النور كمادة ، والإدراك الحسّى والذهنى كوسيلة ، معتمدة بذلك على دعوة المُشاهد للمشاركة فى التأمل بهذه اللوحات الضوئية والتى تتغير ألوانها وأشكالها فى حركة ديناميكية مُستمرة ، يستطيع الإنسان من خلالها أن يُعايش التجربة المُباشرة مع الفن عن طريق التأمّل فى النور والذات والعالم ، أى عن طريق الإدراك الحسّى والفكرى بأدق معانيه والتى تؤدى الى التأثير العميق فى نفس المُشاهد . ولذا فإن فكرة العمل الفنى هى ليست عائمة على السطح ، وإنما تثير فى المُشاهد أو الناقد شهوة التأمل والنقد ليغوص فى أغوارها الى أن يكشف عن رؤية حقيقية تعلن ولادة جديدة من خلال شعاع النور المُنعكس على حواسه وقلبه وروحه وعقله ، فتكسبه هذه الحالة الوجدانية منظارا جديدا تجعله فى حالة أوفر ممّا كان عليه ، وذلك لأن فى النور قوة عارمة ، لها دلالة المعرفة والحكمة تكشف عن الحقيقة المُستترة ، وتعمل على حضور الغير مرئى فتجعله مرئيا .
وفى لوحة “متاميفوسيس” ومعناها هنا ” لحظة التحول ” ، ينبثق النور ليوحى بأن يتحول الشخص كليا بإتحاد الجسد والروح معا ، وقد تحدث هذه الحالة للفرد عندما يعيش تجربة التأمل فى العمق وليس على السطح . فإن كلمة “ترانسفورماشن” مُشتقة من اليونانية ، ومعناها التبدّل أو التحول أو التغيير ، لأن التغيير هو جزء من الطبيعة البشرية البيولوجية والنفسية ، وهنا – فى مضمون اللوحة – أقصد عملية التحول الروحى والتى تحدث عن طريق التأمل والتغلغل فى الأعماق ، مما يشير هنا الى الإصلاح الكامل ، حيث يحقق للإنسان ولادة جديدة ، فيتجدد فى الجوهر والكيان ، ليس بالوسائل الخارجية أو السطحية ، وإنما من الداخل ، مما يؤثر على القلب والروح والفكر كجزء واحد ، فيصل عندها الإنسان إلى قمة النضوج الإنسانى .
وفى لوحة “ليباراشين” ، ومعناها ” التحرر” ، فإنى أرى أن الشخصية الناضجة تُشكل القاعدة الأساسية والضرورية فى الحياة الروحية ، والتى تستمد شعاعها من النور حين تتلمس التنوير الذى بدوره يؤدى الى عنصر التحرير من القيود المادية البالية ، والشعور بالحرية الصحيحة ، وأنّ ذلك أمر ضرورى لإستيعاب الحياة المُتجددة والتى فى إمكانها الإستنارة من الرؤية الحقيقية لأغوار الذات ، والتى تؤدى بدورها الى تفتح البصيرة والى الشعور بالمعنى الحقيقى للحرية والمسؤولية من أجل تغيير الواقع نحو حياة أفضل .