بقلم مارسيل منصور
شاهدتها لأول مرة على اليوتيوب كما شاهدها الملايين من المتابعين، وأحسست بأشعارها تهز العقل والضمير والوجدان نحو مفهوم القضية الفلسطينية والعدالة، وعندما جاءت إلى هنا في برنامج مكثف يطوف بعض الولايات في أستراليا كان لا بد من اللقاء بها شخصيا ومشاهدة أدائها حيا. فكان لي الحظ في حضور الحفل الذي أقيم في مسرح ريفرسايد، باراماتا، سيدني، في الأول من هذا الشهر، حيث كان المكان مكتظا بالحضور الفائق العدد والتنوع..
إنها رفيف زيادة، الشابة الفلسطينية، الكندية المولد والمقيمة في لندن. حلقت رفيف كغيرها من الفلسطينيين في سماء العديد من الدول، لكنها اليوم تستقر بين كندا ولندن لمتابعة نشاطها الإبداعي السياسي، كما وأنها تحضّر حالياً لشهادة الدكتوراه في العلوم السياسية.
شاركت رفيف في عدد من المهرجانات الدولية، وألقت أهمّ قصائدها باللغة الإنجليزية والتي تتميز بقوة الأداء الشعري التمثيلي الدرامي. تلقت جائزة دولية من مجلس الفنون من انتاريو من أجل إطلاق ألبومها الأول «هديل» في عام 2009، ومنذ ذلك الحين أخذت تجوب العديد من بلدان العالم من أجل الأداء الشعري وإعداد وإجراء ورشات العمل. اختيرت لتمثيل فلسطين في مركز أولمبياد الشعراء في الضفة الجنوبية في عام 2012. كما تم استخدام عنوان قصيدتها «نحن نعلم الحياة، يا سيدي» كموضوع للعديد من الأحداث، وكانت مصدر إلهام لعرض التصوير الفوتوغرافي داخل البرلمان الاسكتلندي بعنوان، «نحن نعلم الحياة: الأطفال في الاحتلال. ».
جاءتنا رفيف زيادة في زيارة إلى أستراليا لنراها مع صدور البومها الثاني «نحن نعلّم الحياة، يا سيدي » 2016 ، وقد شارك في إنتاجه هذه المرة ثلاثة من المبدعين قد جمعتهم بلاد جغرافية مختلفة ، ولكن في إطار عمل واحد موحد ومتكامل ، ألا وهو الأداء الشعري التمثيلي بإلقاء رفيف زيادة ، وأنغام غيتار الفنان فيل منصور من بريزبين وعزف الموسيقار محمد يوسف على أوتار العود
تقف رفيف امام الجمهور لتحكي بأشعارها قصة القضية الفلسطينية، فتصوّر واقع الاحتلال وآلامه المريرة، وتقول أن كونها من مواليد الجيل الثالث، لم ولن ينسيها قضية وطنها وأنها تثق تماما أن أرض فلسطين سترجع يوما، وإن لم يحدث هذا لها فسيحدث لأولادها مستقبلا.
أصيب الحضور بالانبهار عند سماع النطق بالكلمات والتعبير بالحركات، وشعرت عندها أن أشعار رفيف ماهي إلا امتداد لشعر المقاومة، ولكنه من نوع آخر ذات الطابع الدرامي المعا صر، إذ يتميز بالأداء التمثيلي بأسلوب تعبيري فياض، ولكنه يثير ثورة الغليان في دماء المشاهد، وربما هذا يجعلني أن أطلق عليه «ممارسة التعبير التمثيلي في الشعر المقاوم المعاصر». فهي تجتهد في نوعية صياغته وأدائه في زمن الهجوم والحصار الإسرائيلي الذي تعرّض له قطاع غزة في عام 2008- 2009، وكانت رفيف هي المتحدثة باسم حملة التضامن الفلسطيني في ذلك الوقت، عندما توجّه أحد الصحفيين قائلاً انه «عندما يوقف الفلسطينيين تعليم أطفالهم الكراهية ستصبح الدنيا بخير». تشير رفيف إلى أنها تشعر بالغضب لأن الغرب في الخارج ينظرون إلى العالم العربي على أنهم إرهابيون، وأنها شعرت بالتذمر عندما سألوها «لماذا تعلّمون أطفالكم الكراهية؟» فأجابت بأن الفلسطيني لا يعرف الا حب بلده وقد تساوى عنده الحب والحرب، ومن هنا كانت انطلاقتها، فألقت شعرها في قصيدتها الشهيرة «نحن نعلّم الحياة، يا سيدي. » .
في أمسية رفيف زيادة الشعرية التي حضرتها، قمت بتسجيل بعض أشعارها صوتا وصورة، مثل «جواز سفر»، «ظلال الغضب»، و«هديل» وغيرها، ولا أخفي على القارئ أنني كنت مشدودة إحساسا وعقلا وقلبا، طوال مشاهدتي وسماعي لجميع قصائدها التي انتهت بأدائها التمثيلي الرائع لشعر «نحن نعلّم الحياة، يا سيدي». ففي قصيدتها هذه أشعر كأنها تكسر الصمت بالتحدي لأصول القهر وظلم الاحتلال للدفاع عن أرض الوطن، خصوصا في نهايتها تقول: «نحن الفلسطينيون نستيقظ كل صباح من أجل أن نعلّم الحياة لبقية العالم.» ولا بد وأن أشير هنا إلى أن جميع أشعارها المؤثرة تصب في صوت دويّ واحد هو مزيج من التحدي التاريخي والسياسي لأصول الاحتلال والعدوان الذي يحلّ على أرض الوطن فلسطين، من أجل الإنسانية والحرية والحق والعدالة.