بقلم مارسيل منصور
من المألوف لدينا أن يكون هناك تمييز بين أصحاب القيادات السياسية والفكرية والعلمية وغيرهم من رجال الاعمال والفئات الأخرى المتعددة ، ولعل ما يميز الفئة الأولى هوأنهم جماعة لها من القدرات العالية التي تؤهلها لأن تمسك دفة القيادة اللائقة . وأن هؤلاء تختلف مراكزهم في البلاد المختلفة ، ففي أمريكا مثلا غالبا ما تكون صدارة الرأي للخبراء الذين مارسوا العلم تطبيقيا ، وفي روسيا يتولى القيادة رجال السياسة ، وفي ألمانيا تترك القيادة الفكرية لأساتذة الجامعات العباقرة في مجالات الثقافة والأدب والفنون ، وفي إنجلترا وفرنسا يتولى زمام الحكم القادة المفكرين من رجال الأدب والفن والثقافة غيرالأكاديمية ، وفي العالم الثالث حيث الدول التي تحررت من الاستعمار تسلم القيادة للثوار . وفي العالم العربي تسيطرعليه القيادة الأحادية .
أما في أستراليا البلد المحظوط ، فما زلنا نشهد فيها سياسة القرن الواحد والعشرين في القيادة الديمقراطية المتمثلة في العلاقات المتبادلة بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات والمقاطعات ، والتفاعل الديناميكي بين جميع الأطراف القيادية بما فيها السياسية والفكرية ، من أجل وضع الحلول المناسبة لجميع القضايا الملحة التي تواجه البلاد . وذلك لأن أستراليا من البلاد الناهضة والمتقدمة جدا في العالم ، وقد يظهر ذلك في انتقاء القيادات ، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب حسب الكفاءة والقدرات والخبرات – بغض النظرعن الأصول الإثنية – ومراعاة الأمانة في احترام الديموقراطية في التعددية الثقافية .
وفي هذا السياق يجدرالذكر هنا ، أننا قد رأينا في الآونة الأخيرة لهذا العام تعديلا وزاريا ، والذي أسفرعن انتخاب الوزير السابق النائب جون عجاقة رئيسا للمجلس التشريعي في ولاية نيو ساوث ويلز في الواحد والعشرين من شباط/فبراير2017 ، وقد شغل سابقا منصب وزير لكل من التعددية الثقافية وكبار السن وخدمات الإعاقة في الولاية ، وكذلك وزير لشئون الشبيبة والتطوع ، وأمين السر للمواصلات والطرقات إلي جانب خدمات الكثير من اللجان . وقد تم انتخابه رئيسا للمجلس دون منافس بعد أن أصبحت غلاديس برجيكليان رئيسة ولاية نيو ساوث ويلز وأول سيدة تقود زعامة حزب الاحرار فيها .
وكما قالت برجيكليان في تهنأتها للسيد عجاقة بمناسبة تنصيبه رئيسا للمجلس التشريعي بأن لديها كل الثقة بأنه سيكون رئيساً رائعا لمجلس الشيوخ ، ولأنه كان وزيراً متميزا للتعددية الثقافية ، فسوف يقوم بمنصبه الجديد باستعمال خبراتة القيمة التي اكتسبها والروابط التي أسسها خلال خدمته كعضو في المجلس التشريعي في الولاية منذ عام 2007 ، و سيكون قياديا بارعا في الإشراف على حسن سير البرلمان .
وإنه لما يستحق الإشارة هنا إلى أن هاتين الشخصيتن البارزتين – عجاقة رئيس المجلس التشريعي في برلمان الولاية ، و برجيكليان رئيسة الولاية – كلاهما ينتميان إلى أمهات فلسطينيات ! ولا بد وأن أذكر هنا إلى أنني لم أكن على دراية من ذلك حينما اقتربت منهما في البداية من أجل رسم بورترية لكل منهما على حدة ، وإدماجهما ضمن الشخصيات البارزة من الفئات المختلفة التي رسمتها في المعرض الفني ، كما وسعدت عندما التقيت بالنائب عجاقة في مكتبه آنذاك ، إذ عرفت عنه أكثر باللقاء المباشر وعن شخصيته الفذة ، فرسمت صورته المشرقة ذات الابتسامة الصادقة الصافية التي تشع على حياة مجتمعاتنا وجالياتنا المتنوعة بجميع أصولها وأجناسها ودياناتها وطوائفها دون تمييز .
وفي احتفال الجالية الفلسطينية باليوم الوطني الفلسطيني الثامن عشر في برلمان الولاية في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 2016 ، عندما القى جون عجاقة كلمته في تلك المناسبة السنوية ، أشار فيها إلى أنه شخصياً ينتمي إلى والدين من أصول إثنية ، حيث أن والدته فلسطينية المولد ، ووالده من لبنان ، كما وأكدت ذلك الوزيرة غلاديس برجيكليان آنذاك عندما ألقت كلمتها يوم افتتاح المعرض ذكرت فيها انها وجون عجاقه كلاهما ينتميان إلى أمهات فلسطينيات من القدس .
لقد كان لي عظيم الشرف عندما افتتح الوزيرعجاقة معرضي الفني (كنز للأبد) آنذاك في غالاري آرت سباس كونكورس بمنطقة تشاتسوود في السابع من ديسمبر 2016 ، كما وألقى كلمة الافتتاح المعبرة بمناسبة اليوم العالمي للتسامح ، وهو الرجل الحكيم والمتحدث الذي يسكب على الملأ أفكارهه بصوت مميز ومسموع ، وأنني فخورة جدا برسمي لصورة الرئيس جون عجاقة .
وفى الختام لا يسعني إلا أن أهنئ الوزير السابق النائب جون عجاقة على تنصيبه رئيسا ، إذ أصبح اليوم أول رجل أسترالي سياسي – من أصل لبناني فلسطيني – يتبوأ منصب رئيس المجلس التشريعي لأكبر ولاية في أستراليا ، فهنيئا لكل من الجاليتين اللبنانية والفلسطينية خصوصا ، وجميع الجاليات الأسترالية عموما بمافيها المتحدثة بالعربية ، فمبروك له ولنا .