القمص تادرس سمعان يذكّرنا بالذكرى الخمسين لظهور العذراء مريم في الزيتون بالقاهرة

     

  OAMبقلم مارسيل منصور

في كل عام من هذا الشهر في اليوم الخامس من مايو أيار تحتفل مصر بنسيجها الوطني بالذكرى الخمسين لظهورالقديسة السيدة العذراء مريم على قبة كنيسة العذراء مريم في حي الزيتون بالقاهرة

في الأسبوع الماضي، وبعد أعوام طويلة من غيابي عن المواظبة في حضور المحاضرات الروحية في دراسات الكتاب المقدس للقمص تادرس سمعان كاهن كنيسة الانبا انطونيوس والأنبا بول في جيلفورد، والتي مازال يقيمها كل يوم أربعاء حيث يصغي له الحضوربكل نهم وشغف ويكنّ له كل احترام … خطرعلى بالي فجأة أن أذهب وأحضر محاضرته، وكان اللقاء حارا وشيقا بين عائلتي والاب تادرس الذي قليلا ما نراه وسط زحمة انشغالنا في هذا العصر، وإن كان هوالكاهن الذي يسكن في قلوبنا ويحتل قلوب غالبية أبناءعائلات الجاليات ذات الأصول العربية في أستراليا، خصوصا عندما يشرح للحضور المواضيع الروحية بصوته الهادئ الوقور فيجيء فكره كالنهرالغزيرفي فيضانه. ومما أثارإعجابي هذه المرة أن المكان كان مليئا بالوجوه النيرة ذات الخلفيات والجنسيات والطوائف المتنوعة، فالكل هنا في قاعة الكنيسة مسيحيا أستراليا دون تعصب أوتفرقة.  لم يكن غريبا عليّ عندئذ أن ألتقي ببعض الناس القدامى الذين عرفتهم منذ زمن طويل وآخرين حديثي الوصول، وكلّهم تظهرعليهم الغبطة والابتهاج والسرور.

تحدث الأب تادرس عن مواضيع متعددة بما فيها موضوع ظهورالعذراء مريم في حيّ الزيتون يوم الثلاثاء 2 ابريل 1968م الموافق   24برمهات من سنة  1684للشهداء الساعة الثالثة والنصف ليلاً، وأن هذا العام في الخامس من مايو أيار يصادف الذكرى الخمسين لظهورات القديسة العذراء مريم. وأول ما ورد إلى خاطري من تلك المعجزات الفريدة ذكريات الصبا عندما سمعت بهذه الظهورات المميزة لأول وهلة في حياتي فهزت كياني … وهل أنسى تلك االلحظات الفرحة النابضة من ذلك اليوم الجميل في شهرالصيف من مايو أيارعام 1968، عندما جاء شقيقي هاني من مصر إلى غزة في العطلة الصيفية، حيث كان يدرس هناك طالبا في جامعة عين شمس بالقاهرة، إذ دخل هاني بيت العائلة فجأة بعد غياب، وقد ظهرت عيناه حمراوتان من شدة الإرهاق والتعب في السهروالسفر بعد تقديم الامتحانات الدراسية. وكان الكل من الأهل ملهوفا على اللقاء به. كنت في ذلك الوقت أجلس في ركن غرفتنا الكبيرة الواسعة، أفترش الأرض من مختلف الكتب والمجلات القديمة المتنوعة، أذكر منها مجلة آخر ساعة، والمصور، وحواء، وروز اليوسف، والعربي، والشبكة، والموعد، طبيبك الخاص، وغيرها… وكان معي المقص والورق وعدة الرسم والتلوين لأمارس هواياتي المحببة إلى نفسي، حيث كنت أعشق القراءة والكتابة والشعر والرسم في عمر مبكر … وبينما كنت أقصّ بعض الصورمن المجلات سمعت هاني يروي لنا حكاية معجزة ظهورالعذراء مريم التي شاهدها بعينيه في مصر، فتعثرالمقص في يديّ، وتراءى لي أن تحوّلت جميع الصورالتي قصصتها بين يديّ والتي لم أقصّها بعد إلي صورالعذراء مريم النورانية والتي تفيض بالعذوبة والوقار والمحبة، ونظرت إلى شقيقي هاني في ذهول، وتبادلت معه نظرة تستفهم معنى معجزة الظهور؟ وطفق هاني وهوالشاب في عنفوان شبابه في ذلك اليوم، يحكي ويحكي ويحكي بدقة عن تفاصيل واقعة معجزة الظهور، وكيف شاهدها بعينية ورأى الجموع من حوله من ملايين المشاهدين من مختلف الجنسيات والديانات، مذهولين ومشدوهين من هول معجزات الشفاء التي حدثت لبعضهم بينما هم ينظرون إلى طيف العذراء مريم بإيمان جوهري حقيقي مهيب، بما فيهم قصة فاروق محمد عطوه عندما أشار إليها بإصبعه المبتور والمربوط بالضمادات فصارأصبعه سليما تماما.

أخذنا نحن أفراد العائلة ننصت ونصغي لما يقوله هاني، وكم خفقت قلوبنا لماعلمناه وسمعناه عن ذلك الحدث البهي الذي استحوذ على أرواحنا وعقولنا ! فبدر مني سؤال بريء : “ألم تنزل العذراء مريم من السماء إلى الأرض ليقبلها جميع المسكونه ويحتضنها كل من يتعطش إلى لقائها ؟” ومن هنا كان لا بد لأخي هاني من أن يتابع مايقول ويستطرد قائلا: ” رأيت بعينيّ طيف العذراء مريم حقيقة وهي تمشي فوق قبة الكنيسة منحنية أمام الصليب المشع بنور فسفوري … متجلية بالجسم النوراني الناصع … مرتدية رداء بلون أزرق سماوي تارة … وتارة أخرى ملكة نورانية متوجة … وأحيانا  ترتدي شالا نورانيا باهتا أو طرحة ناصعة … كانت تتحرك يمينا ويسارا… تمسك غصن زيتون وتحيى الناس بيديها … وتومئ برأسها وتبارك حشد الجمهور الهائل …كما وشاهدت أيضا الحمام الأبيض وتنشقت رائحة البخور.” وأكد هاني ما سمعه أن الحكومة المصرية قد بذلت قصارى جهدها في البحث العلمي للتأكد من حقيقة الظهور العجائبي في زمن البابا كيرلس السادس، وأن أحد الهيئات البريطانية وغيرها قد جاءت لتوثيق الحدث الذي تم نشره في الإعلام العالمي رسميا في الخامس من مايو أيار. ثم أخذ هاني يروي القصة من بدايتها ويتحدث عنها مرارا وتكرارا. وكان من الطبيعي عندئذ أن يرد على خاطري قصة ميلاد المسيح وأمه العذراء مريم ! هذا الحدث التاريخي الذي غيرالعالم

وعندما جاء الليل، وفي ذلك الهدوء الساكن والعزلة الهادئة – وكنت مازلت طالبة في المدرسة – ألقيت على نفسي سؤالا: هل يمكن أن تكون المعجزة …  حقيقة أم خيالا أم … ؟ وكيف يخفي على عين الرائي تلك المناظرالحقيقية ؟ … هناك حقيقة لا سبيل إلى نكرانها، وهي أنه مهما استطعنا اكتشاف الكثير والتقدم والتطور في العلوم، إلا أننا لا نستطيع فهم المعجزات ! و”طوبى لمن آمن ولم يرى”  لوقا 20:29

وبعد سنوات مضت، شاءت لي الأقدارلأن أعيش في القاهرة فترة دراستي الجامعية، فقمت بزيارة كنيسة العذراء مريم في الزيتون، وشعرت بنوال البركة من شفاعتها في ذلك المكان المقدس الذي أصبح اليوم مزارا هاما من قبل الآلاف من البشرالذين يقصدونه في ربوع مصر الحبيبة.

لقد ذكرالنقاد والمحلّلين في الدين والسياسة والاجتماع أن ظهورالعذراء مريم في ذلك الوقت كان رسالة تشجيع للمصريين ورفع الروح المعنوية لهم بعد النكسة والهزيمة الساحقة التي حلت على الأمة العربية من جراء حرب الايام الستة يونيو حزيران1967. والكل يعرف أن سيرة السيدة العذراء الطاهرة مريم قد وردت في الكتب المقدسة في المسيحية والإسلام معا، ولذلك فإن الكثير منا يعتقد أن ظهورها للبشر في مرات عديدة هي رسالة محبة للمسيحيين والمسلمين على السواء. فما أحوجنا اليوم في الذكرى الخمسين لظهور العذراء مريم وبالذات في هذا الشهر المريمي، لأن تكون ذكرى التقاء وانسجام ووئام بين المسيحيين والمسلمين الذين يؤمنون بطهارة البتول مريم، وأن تستقبل الأمم رسالة المحبة والسلام في الشرق الأوسط والعالم أجمع.

لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكرالجزيل وخالص الاحترام والتقديرللأب القمص تادرس سمعان على جهده المتواصل في استمرارية مزاولة المحاضرات الروحية لمدة عقود من الزمن، إذ يحظى العديد بالحضورله من أبناء الطوائف المتعددة في جالياتنا العربية في سيدني، كما ويمكن الإستماع إلى محاضراته على فيديو اليوتيوب والفيسبوك