إطلاق كتابين للدكتور رغيد النحاس في الترجمة الإبداعيّة الأدبيّة

  

     

إطلاق كتابين للدكتور رغيد النحاس في الترجمة الإبداعيّة الأدبيّة

OAMمارسيل منصور

شَهِدَت الجالية الأسترالية العربية في بلاد المهجر في عصرنا الحالي تطوراً ثقافياً ملحوظاً. فمن أهم ما يميّز عصرنا اليوم هو اليقظة الفكريّة والفنيّة التي تزخر بنهضة ثقافية حقيقية تستحق النظر. ما زال يؤكدّها أصحاب ألأدب والفنون المعاصرين الذين يتمتعون بِرقّة الحسّ ودقّة الفكر. لعلّني أذكر من بعض هؤلاء أمثال الدكتور رغيد النحاس، المترجم الأسترالي السوري الأصل، وهو أيضا كاتب، وشاعر، وفنان في التصوير الفوتوغرافي، وكان رئيس التحرير والناشر لمجلة “كلمات” الأدبية والفريدة من نوعها، باللغتين العربية والإنجليزية منذ عدة سنوات (٢٠٠٠ – ٢٠٠٦). فما أجمل أن اجتمعت كلّ هذه الثروات الثقافية الجمّة وتلاقت وتكاملت في شخصيةٍ واحدهٍ مميّزة، يَضربُ بقلمِه، وعلمِه، وفكرِه، وفنّه، فيشقّ طريقاً متكاملاً بحريّةٍ فرديّةٍ ذاتيّة، حتى جاء إنتاجه غنياً بكلّ هذه العناصر المتكاملة في مسيرتِه الإبداعية خلال بضعةِ عقودٍ من الزمن، والتي استطاعت أنْ تتفاعل مع الاطراف الأخرى من أهل الأدب والفنون من المبدعين، فأثّرت في إحياء ثقافتنا المهجريّة المعاصرة التي تتسم بالإيجابية وبلمسة الحياة الواقعية

تَخرّجَ الدكتور رغيد النحاس من “الجامعة الأمريكية” بيروت بدرجة ماجستير في علوم البحار، وحصل على درجة الدكتوراة من جامعة “هال” في بريطانيا. عملَ في مجالات متعددة، وسبق أنْ رُشّحَ كواحد من أهمّ مائة مُفكّر في أستراليا في استفتاء أجرَتْهُ صحيفة سيدني مورنينغ هيرالد.  يُعتَبرُ رغيد من المهاجرين الذين انخرطوا في سلك الحياة وأصبح أسترالياً، لكنه تمكّنَ من الاحتفاظ بجذوره، وذّلل الصعاب وأنتج الكتب بلغته العربيّة ولغة مَهجره

بدعوة من د. رغيد النحاس، تَشرّفْتُ بحضورِ حفل إطلاق كتابين في الترجمة (منشورات كلمات) في مكتبة (غليبوكس) سيدني، الجمعة ٣٠ آب/ أغسطس ٢٠١٩. الكتاب الأول ثنائي اللغة وعنوانه “لا أحد يعرف اسمي”، ويشمل مجموعة شعرية جديدة غير منشورة للشاعر الأسترالي العراقي خالد الحلّي، قد ترجمها د. النحاس من العربية إلى الإنجليزية ونشرها باللغتين لأول مرة. والكتاب الثاني “المدن”، ويشمل ترجمات د. النحاس لمختارات من خمس مجموعات منشورة وواحدة غير منشورة، للشاعر الفنان الأسترالي اللبناني الراحل غسان علم الدين

 حضر الحفل نخبة من شخصيات الجالية المهتمين بالأعمال الأدبية والثقافية، وأصدقاء من الجاليات الأخرى بمن فيها بعض من السكان الأصليين الأبورجينيز. استضاف الحفل د. رغيد النحاس وسط أجواء وُديّة محبّبة، وساهم المتحدثون الضيوف بكلماتهم حول المناسبة ببلاغة، وكان جميعهم من خلفيّات عرقية مختلفة مما يدلّ على التناغم الثقافي الذي يتميز به المجتمع الأسترالي المتنوع.

بدأت الأمسية بكلمة الإطلاق للدكتورة ديبورا رويز وول – وهي من أصل فيليبيني والضليعة في أمور التعددية الثقافية والعدالة الاجتماعية والمصالحة، تبعها رسالة من الشاعر خالد الحلي المقيم في ملبورن، وكلمة د. نجمة خليل حبيب حول شعر خالد الحلّي، و كلمة الناشر والمترجم د. رغيد النحاس حول سياسته في الترجمة وتعامله مع الشاعريْن، و قراءات من “لا أحد يعرف اسمي” باللغة العربية (رغيد النحاس) والإنجليزية (نويل أوسليفان) ، ثم قراءات الأديبة أمان السيد لمختارات من شعر غسان علم الدين، وقراءة نويل أوساليفان (الإيرلاندي الأصل) لترجمات د. النحاس. كما تخلُل الحفل تكريم غنائي للفنان الراحل غسان علم الدين قدّمته الفنانة غادة ضاهر علماوي مديرة فرقة الأندلس العربية حيث قامت بأداء أغنية فيروز “طلعت يا محلا نورها”

يُعتَبر د. رغيد النحاس مترجمٌ بارعٌ في اللغتين الإنجليزية والعربية، وضليعٌ بمفرداتهما وقواعدهما النحويّة. وإنّ التفوق في هذا المجال بالغ الأهمية، لأنّ الترجمة الأدبية لها تأثيرٌ مهمٌ في تطوّر الثقافة وثرائِها، خصوصاً إذا كان المترجم يتمتع بقدرةٍ فائقةٍ على الكتابة الإبداعية بلغات مزدوجة.  يقول د. رغيد النحاس أنه اختار في انتقائِه وترجمتِه من الأعمال الجيّدة، لكلّ من أصحابهِما الشاعر خالد الحليّ والشاعر والموسيقار الراحل غسان علم الدين، لأنّ كليهما شاعرين يخاطبان معاني الإنسانية ذات المستوى الرفيع، وأنّ لديهما أفكار قوية ذات معايير سامية

وبالحديث عن د. رغيد النحاس كمترجمٍ مُمتهن، وقراءة كتابيه، يستشفّ المتلقّي بأنه مبدعٌ في العمل الفني، لأنه يُترجم أعمال هؤلاء ترجمة إحياء، وله القدرة على أنْ يتقمّص شخصية الأديب ومشاعر وأفكار الشاعر، ليعيدَ خلق وكتابة العمل الفني من جديد باللغة الأخرى بحيث لا تفقد جوهرها الإبداعي

تحدث د. رغيد النحاس في كلمته عن تجربته في النشر والترجمة وعن كفاحه في محاولة العثور على ناشر، ولكن محاولاته باءت بالفشل حيث أُخْبِرَ أن “كتابه بلا قيمة تجارية.” وهذا هو واقع العديد من الفنانين والمبدعين الذين يواجهون مثل هذه المشاكل. ولما لم يجد ناشرًا يهتمُ بترويجِ كُتبِه، وبعد سنوات عديدة من الفشل، تخلّى رغيد عن المحاولة وقررَ نشْرَ كتبه بنفسه، وأرسلها إلى المكتبات الرئيسية لتكونَ في متناولِ الجميعِ من الجيلِ الثاني وغيرِه

قام د. رغيد النحاس – كمترجمٍ مُؤهل – بترجمة الأعمال النظرية والعلمية، ولديه اليوم حوالي عشرين كتابًا تقنيًا، وثلاثة عشر كتابًا أدبياً، بما في ذلك الشعر ثنائي اللغة، وأعمالهِ الفوتوغرافية الفنية. قال رغيد: “إنّ السبب الرئيسي الذي دفعني للترجمة لا يتعلق بكسب الشهرة، بل لأنني أردْتُ أنْ أعرضَ أعمال الناطقين باللغة العربية على الناطقين باللغة الإنجليزية والعكس، من أجل التعريف بالأدب العربي، والانتقال به إلى الآخر حيث التواصل الثقافي. وأضاف أنه في الواقع لا يرغب في قضاء وقتِه في الترجمة، بل يُفضّل أنْ يشغلَ وقتَه في كتاباتِه الشخصية، ولكنه فَعَلَ ذلك أصلاً لأسبابٍ أخرى فقال: “إنني أؤمن بالقيمة التي تُعزّز أصحابَ الجواهر المخفيّة، وليس لديهم أحد هناك للترويج لها.” وقد اختارَ أعمالَ هذين الشاعرين بالذات “لأنّها تُعبّرُ عن الإحساس بالإنسانية على مستوى غنيٌ بالأفكار القوية كلٌّ بطريقته. وان ّالجيّد في أعمال خالد الحلّي أنه يُوفّقُ بينَ الفكرِة والموسيقى بطريقةٍ سلسةٍ للغاية، في حين أنّ أعمال غسان علم الدين أقرب إلى النثر والتركيز على الأفكار القوية”

تّميّزَ الحضور بجودة النوعية، حيث شارك الجميع في دعم الحفل وسط أجواءِ مجتمعٍ متنوع الثقافات، فقامت السيدة نبيهة حدّارة تطوعاً منها بتوثيق الحدث عَبْر استخدام الهاتف المحمول ونشرت مقاطع الفيديو على الفيسبوك واليوتيوب. كما والتقط الصور الفوتوغرافية السيد نويل أوسليفان. وفي الختام تَشرّفَ رغيد باستلام صورة تاريخية من د. ديبورا رويز وول، كانت التقطتها خلال تجمّعِ اللاجئين في سيدني عام ٢٠٠١، قدمتها له برفقة آنتي بيريل فان اوبلو، تكريما لجهوده وتقديراً لخدماته

هنيئاً للدكتور رغيد النحاس، ولمؤلّفي الكتابين، وللجاليات الناطقة بالعربية، وللمجتمع الأسترالي المتعدد الثقافات، مع التمنيات بمزيد من غزارة الإنتاج الإبداعي المثمر