ندر اللهفة ونبض الفؤاد الواحد

        ندر اللهفة    By Marcelle Mansourبقلم مارسيل منصور El-Telegraph 10 June 2014

By Marcelle  Mansour   بقلم مارسيل منصور

سؤال أطرحه على نفسى … كيف يحس هؤلاء المبدعين من شعراء وفنانين وأدباء المهجر فى الاغتراب؟ كيف يحس هؤلاء؟ … اننا جميعا أفراد أسرة واحدة، أفراد الهجرة والغربة والاغتراب … نحن جميعا حاملوا هموم الوطن وجروح ومعاناة … حتى اذا التقينا هنا فى الغربة أحسسنا نبضا فى القلوب … إنها اللغة الواحدة … إن كان شعرا لبنانيا أو مصريا أو سوريا أو فلسطينيا أوعراقيا أو غيره … إنها القصيدة واحدة، والجرح واحد، والأمل واحد … إنها نبض الفؤادالواحد هو الرباط المشترك لأن اللغة العربية بتعدد لهجاتها لها سحرها الساحرالتى تحمل أنفاس الحياة.

وهنا يطالعنا الشاعرالمخضرم الأستاذ فؤاد نعمان الخورى بديوانه الجديد ” ندر اللهفة ” فجاءت أشعاره لها وقع مؤثر حتى وكأنها الطير الذى يفرد جناحيه ليضلل على الإنسانية جمعاء .. إنها لغته الشعرية الأنيقة بعمقها العميق.. جمال الكلمات والمعانى فيها تتعانق وتتعلق ببعضها كأنها شجرة الأرز تتشابك فروعها وتتكاتف.  ولابّد وأن أذكر فى هذا السياق أننى وقفت لحظة أفكرعندما قرأت على غلاف الكتاب ” شعر لبنانى” – لأنى أحب ألفاظ اللغة العربية الفصحى بصفة عامة وأبيات الشعر بصفة خاصة – حبا كثيرا ما يحملنى على التعمق بمكنوناتها وإعادة قراءتها .. ورحت أقرأ الكلمات الشعرية ذات اللهجة اللبنانية الجميلة …فأحببتها أكثر مما كنت أتوقع .. والأهم من ذلك هو أن الشعراللبنانى الذى يتغنى به الشاعر فؤاد نعمان الخورى يحمل فى عروقه وشائج القربى .. له مضمون حيوى ووقع فى المشاعر ينتقل من روح الى روح، تجعلنا نحس جميعا أن عباراته هى خيوط صوتية تتأرجح فى مشاعرنا وقلوبنا ..فنحن جميعا فى الّهم شركاء، هذا مما يجعل الشاعرأو الأديب أو الفنان العربى شاعرا للجميع.  لذلك فان قلب فؤاد الشاعر النابض هو فؤاد الجميع. ان أحمد شوقى، وجبران خليل جبران وناجى العلى، وأم كلثوم، ووديع الصافى … لم يكونوا لأوطان مصر ولبنان وفلسطين أكثر مما كانوا للعرب جميعا لأن الإنسانية واحدة

ففى” ندراللهفة ” جاء قلب فؤاد النابض يفعم بالحس المرهف، فتراه يرشق بقلمه كلمات الشعرالمؤثرة.. وهنا كم أود أن أستعرض هذا الديوان للقارئ وأن أقدم له قبسات فنية تظهر فيه غزارة المادة وجمال الصور!.. ففى هذا الأسلوب استطاع الشاعر أن يلتمس طريقه الى عالم التعبيرلابراز مشاعر النفس الانسانية والمعانى العميقة، إذ تعتصره آلام الغربة ومحبة الوطن تارة، وتعانقه نشوة الحب والسرور تارة أخرى … فهو يعيش حياة الاغتراب والاندماج فى المهجرالاسترالى فى وقت واحد … هو” العطشان” الذى يسكب من كأس ” لبنان ” مرارة الغربة و” الحرمان ” ص 15 ثم يتذكر” الندر المخفى” وسرعان ما يكتشف أنه ” ندر اللهفة ” ص16 ولذا فهو” الهربان” من وفاء الندر ومن لهفة الندر و”الأحزان”.  يقول فؤاد فى صفحة 25 “يا ندر لهفة وما قدرت توفى”، وبعدها يطالعنا بنسيج جديد يتخلله شعاع من خيوط التفاؤل والأمل الممتزج بمسحة من الأسى ليكون بلسما يضمد جراح الغربة فيقول فى صفحة 21 “امبارح يا حنا فى عيد البشارة اجتمعوا سوا اسلام ونصارى” “عزفوا النشيد الاسترالى … نشيد الأرز غنوا ” … ثم يسترسل الشاعر فى أشعاره وهو المهاجرالقائد المرشد الذى يحمل هم الوطن على كتفيه فيقول: ” كنايسنا ومآذننا … يتقاتلون فى لبنان ..لا تتركوا الاديان تفتتنا” ص22

وفى أشعار فؤاد نلمس إحساس الشاعر وتعلقه بالجذورالشرقية اللبنانية، فهو الزوج المحب والوالد الحنون، فينقلنا الى واقع حياة العائلة المهجرية الحقيقية : “مغروم ابنى باسترالية … بلا حفلة … ولا ليلية … هيدى الديمقراطية” ص17 . ثم يتغنى الشاعر بابنته الشابة الجميلة ” لميا ” فى عيدها الواحد والعشرين، فهى المثل الأعلى للفتيات اللبنانيات الاستراليات ..  “من المدرسة للجامعة .. اللى بعمرها ليل وجنون وكاس.. وهى فى هم  الدرس مهتمه” ص87 . وفى”حديث المى” ..” مارجريس عم يدفع النادر” ص35 .  ثم ينقلنا الى زهوروبساتين فيصور قصة التكوين وتفاحة آدم وحوّا وورقة التين ويناجى ورد الشام وزهور فلسطين” ص43.  ويواسى معلولا فى قوله ” جراس العيد أعلى من البواريد” .. ” شعب لبنان شريك الوجع والهم والصلبان” ص55 .  وفى قصيدة ” يا خاطف المطرانين” “من الشام وبلاد النهرين.. مصر .. فلسطين .. السودان  .. يا شعب ذاٌق المر من كوعين” ص67 . ثم يدوى صوت الشاعر فى الفاتيكان ويقول” يا ويلك من الظلم يا سبحان” ص69 .  وفى رحيل الفنان وديع الصافى” كل الشرق من فن لبنان ارتوى” ص98 .  وفى ” فيروزيات الفؤاد” يتغنى بباقة من أعمال فيروز الخالدة ” يا شرقية يا قهوة الصبحية ” .. يا غربية كرامة الانسان والحرية ” ص123 . ثم فى مانديلا يقول : ” يا أسود يا جامع الأديان ع العدل ع حرية الانسان ” ص153

هذا هو شاعرنا، شاعر لبنان الذى يكتب للإنسان … فجاءت أشعاره وحدة متماسكة لأنها تتصل بأشخاصنا وأرواحنا وكأنها صورة دقيقة لنفوسنا .. تربطنا بالواقع الذى نعيش فيه وبالعالم الذى يحيط بنا .. ولذلك فإن شعر فؤاد نعمان الخورى هو شعر  نابض بالحياة .. لابد وأن نعتز به اعتزازنا بالنفوس.  هذا الفؤاد هو النبض الواحد