By Marcelle Mansour بقلم مارسيل منصور
إن الفن المسرحى المعاصر الناجح هو الذي يستقى صلب موضوعه من واقع حياتنا الذي نعيش فيه … هذا الواقع الراهن الذي قد طغت عليه عناصر الماديات والأنانية والنصب والإحتلال على حساب القيم الإنسانية والأخلاقية . هكذا هو الفن المبدع في شتى مجالات الأدب والفنون ، هو فن ناقد لاذع وهادف نحو الأفضل. وها هو يطالعنا اليوم الفنان المسرحى المعروف السيد غسان الحريري وفرقته من الممثليين المبدعين … يطالعنا بنتاج جديد من مسرحياته الفنية ، كما تعودنا دائما أن نلمس فى أعمال الحريري التميَز بالإصالة والموضوعية الهادفة والتى تعالج قضايا متعددة ذات القيم المفيدة
” لوين رايحيين ” هو عنوان المسرحية الذي يجبر المشاهد أن يتوقف برهة ليتأمل ويتساءل … الي أين المضىَ ؟ الي أين ذاهبين ؟ .. فالمسرحية تصور هؤلاء من أبناء الجالية … وهذا الصراع الكائن فى النفوس والذي ينطبق على شريحة معينَة أو فى أى مكان آخر من العالم. لأن المهمة الأولى للعمل الإبداعى المسرحى هو الكشف عن حقيقة الإنسان كما هى واقعة حيث يتأثر الفنان المبدع بمؤثرات متعددة فيأتى نتاجه الإبداعى مؤثرا على الأفراد والمجتمع. وقد يبدو أن الحريرى غير راض عن الجانب السئَ من واقع الأفراد أو الساخط على السلوك الملتوى المتمثل فى أفراد الأسرة التى تكون المجتمع … فعلى سبيل المثال ، هناك شخصية فرهود (المخرج عباس مراد) وهو الوالد الديكتاتورى والذى يستبد فى تربية أولاده الأربعة – ثلاث إناث وذكر – فما عليهم الاَ الطاعة الإجبارية فى سماع كلمة والدهم – حتى وإن كان هذا الوالد لا يمثل المواطن الصالح – فهو الذى يخبئ المال النقدى فى بيته هربا من الضمان الإجتماعى حتى لا يتعرض لسؤال”من أين لك هذا؟ ” كما وأنه يقضى وقته منغمسا فى قصة حب مع عشيقته … وهذا يذكرنا تماما بشخصية
” أوديلف هتلر ” الذى زاول حكم ألمانيا خلال فترة الحرب العالمية الثانية بنزعته الشمولية والديكتاتورية والفاشية ، فى الوقت الذى انغمس فيه فى غرام عشيقته ” ايفا براون ” .. ولهذا فمن الممكن هنا أن يستنبط المشاهد حالة الوضع السياسى والاقتصادى الراهن من حيث غلاء المعيشة مثلا – وفى قول ” فيتجه الأقرع “
( ريمون جبرائيل ) 7×8=106 يستشف المشاهد الكناية بأن الحقيقة التى نعرفها تختلف عن الواقع الذى نعيشه … كما وأن هناك قضية إنغماس الشباب الضائع الذى يتناول المنعشات مثل المعسَل ويتعاطى جميع أنواع المخدرات الغير مشروعة مثل الهيروين والكوكايين وغيره
هناك أيضا نوع آخر من الآباء والتى تظهر فى شخصية فتيجه الأقرع وهو الذى يتظاهر بأنه من المثليين ويعلَم إبنه الوحيد – ” زلطه ” ( عبد الرحيم صالح ) – السلوك الملتوى ، ويتآمر معه بتدبير خطة الإقتراب والزواج من ” روزيتا ” (سنا عطية ) من أجل سرقة المال النقدى من بيت فرهود والدها … خصوصا وأن شخصيتها تتصف بالبلاهة والثأثأه . وهناك أيضا أختها ” يارا ” الجميلة الساذجة ، وأختها المطربة ( نوال الأمير ) وهى الشخصية الهيمانة والمغرومه بالفنان الراحل عبد الحليم حافظ ، ولذلك فهى ترفض الزواج من ” عجوءَ ” ( خليل عيسى ) الشاب الخجول الغشيم والذى يفتقر الى القدرة على إجتذات الإناث وكسب قلوبهم ، فهو المتيَم بها يفشل فى العلاقة مع نوال ويتحول فجأة الى طلب الزواج من أختها دون مقدمات . كما وتتعرض المسرحية هنا الى معاملة هؤلاء الفتيات للطرف الآخر من الشباب بطريقة فظَة مهينة وعنيفة فتظهر هنا شخصية الفتاة السطحية المتعجرفة (روزيتا ) . أما أخيها الشاب ( كروم ) الوحيد لوالده ( أكرم جوزيف ) الذى يضيَع وقته على صفحات الفيس بوك دون أى هدف فى الحياة فقد ينتهى به المطاف الى حالة من الغضب والتوتر فيتذَمر على والده بوقاحة ويترك البيت الى غير رجعة . ومن جهة أخرى ، فإن المطربة ” نوال ” ترفض الزواج من ” عجوء” رغم أنه انتحل شخصية عبد الحليم حافظ لإرضائها دون جدوى ، كما وأنها ترفض الزواج من الشاب الصينى الأصل المتيَم بها ” يافغ دى ” الى درجة أنه أصبح يتكلم العربية ويتقن غناء عبد الحليم حافظ . وربما يدل هذا على امتزاج وتفاعل الثقافات فى المجتمع الاسترالى والتى تظهر فى قضايا الحب والزواج بغض النظر عن نجاحها أو فشلها … كما ولا يغيب عن بالنا قضية الفن التى تجسَدت فى نفسية المطربة ” نوال ” وفى إعتقادها الراسخ بأن عبد الحليم حافظ الفنان لم ولن يمت وسيظل فنه خالدا
وهناك نوع آخر من شباب هذا الجيل المتمثل فى شخصية ” زلطه ” وهو الوحيد لوالده … فبعد معاناته فى التعرض لأشكال مختلفة من العنف والإذلال والإهانه من قبل الفتيات الثلاث – من أجل سرقة المال النقدى – نراه فى نهاية المسرحية يفاجئ المشاهد بتحوله الى شخصية أخرى أيقظها صوت الضمير الحىَ … فهو يمتنع عن السرقة رغم اكتشاف المكان … ويتحقق من شخصية والده المحتال فيرفضها على الإطلاق … ويرتد الى أصله الشاب القروى البسيط ويهجر بيت والده مردَدا شعر الزجل العفوى
هذا ما يصبو اليه الحريرى ، لأن يعَبرعن واقع هؤلاء الناس وجوهر كيانهم ومعيشتهم وحياتهم ، فيصور العمل المسرحى حقيقة الانسان وحقيقة الواقع الذى نعيش فيه من أجل الإصلاح الإجتماعى
18/11/2013 هذا المقال قد نشر في جريدة التلغراف العربية ، تحت عمود كلمة عابرة ، بقلم مارسيل منصور بتاريخ