غلاديس برجيكليان رئيسة الولاية “أم التضحيات” من النساء الرائدات بلا أطفال

Marcelle Mansour An-Nahar 31st Jan 2017     Marcelle Mansour's Painting the Hon. Gladys Berejiklian MP, NSW Treasurer     Marcelle Mansour, Almestaqbal, 4th Feb 2017

 بقلم مارسيل منصور

من المثير للاهتمام ، أن غلاديس برجيكليان ذات الاصل الارمني السوري الفلسطيني ، قد أصبحت أول سيدة تقود زعامة حزب الاحرار في ولاية نيو ساوث ويلز، وثاني إمرأة تترأس حكومة أكبر وأهم الولايات الأسترالية بعد كريستينا كينيلي ، ورئيسة الحكومة الخامسة والأربعين للولاية ، وثالث رئيسة من سكان ضواحي شمال سيدني المترفة ، ففي الثالث والعشرين من يناير كانون الثاني صوّت نواب حزب الأحرارعلى انتخاب برجيكليان – وزيرة الخزانة و وزيرة العلاقات الصناعية سابقا–  رئيسة لحكومة الولاية بعد استقالة مفاجئة لسلفها مايك بيرد في التاسع عشر من يناير، إذ أعلنت برجيكليان خلافته كزعيمة للحزب الليبرالي ، فأيدها بيرد مصرّحا أنها ستكون رئيسة متميزة .

كم أثلج صدري هذا الخبر المبهج ، خصوصا وأنني قد قمت مؤخرا بلقائها من أجل مقابلة أجريتها معها أثناء رسم صورة لها (بورترية) وإدماجها في المعرض الفني الذي ضم بعض الشخصيات البارزة ، والذي أقمته في السابع من ديسمبر 2016  بعنوان “كنز للأبد” في جالاري آرت سباس تشاسوود ، حيث صرّحت لي خلال حديثها بانها تنتمي لأصول أرمنية وفلسطينية ، كما وأكدت ذلك عندما ألقت كلمة محببة في افتتاح المعرض ذكرت فيها انها أسترالية المولد ، وأن والدها من أصل أرمني ولد في سوريا ، ووالدتها فلسطينية الأصل من مواليد القدس . كما ولا بد من الإشارة هنا إلى أن برجيكليان حفيدة جدّيها الناجين من الإبادة الجماعية للأرمن عام 1915، إذ هاجر أبويها إلى الضاحية الشمالية عام 1960 في منطقة ويلوبي حيث ولدت هناك عام 1970، وهي الكبرى من ثلاث بنات ، وكانت مثابرة وذكية جدا في تحصيلها العلمي وتفوقت بالدرجة الأولى على مدرسة شمال رايد الثانوية . كانت عضوا للمرشدات ، لديها ليسانس الآداب 1992 ، ودبلوم الدراسات العليا في الدراسات الدولية من جامعة سيدني 1996، و درجة الماجستير في التجارة من جامعة نيو ساوث ويلز2001 ، وكانت رئيسة الشباب الليبراليين 1997- 1998 ، وترأست مناصب عديدة في الخدمات المصرفية للأفراد والشؤون الحكومية والصناعة وغيرها .

تقول فرجينيا هوسيجير الصحافية والمديرة في جامعة كانبرا : ” دعوني أتكلم بصراحة بأن غلاديس برجيكليان في الواقع لم تتزوج ولم تنجب أطفالا ، فقد عمل هذا في صالحها وساعدها على تحقيق ما تصبو إليه ، إن هذه الحقيقة تدعو للأسف وعدم الإرتياح ، ولكنها الحقيقة التي يعرفها الجميع ويعترف بها الآباء والنساء .” كما وأضافت بأن هذا الحال ينطبق عليها شخصيا ، وعلى النساء الرائدات . وفي حديث عفوي بينهما قالت غلاديس ل فرجينيا بأن كون المرأة بلا أطفال فيه شيء من “الترف” للنساء ذوي الطموع السياسي ، وإن كانت في قرارة نفسها لا تحب استعمال هذه الكلمة لأنها تسبب عدم الإرنياح للمرأة ، فهي نفسها وجهت انتقادا للصحافيين الذين انهالوا عليها بالأسئلة بخصوص أنها عازبة ومن غيرأطفال ، فقالت لهم متسائلة هل أنهم يسألونها ذلك لأنها أنثى ؟ فلماذا لم يسألوا بوب كار مثلا وهو الذي أمضي أطول مدة في أستراليا رئيسا لحكومة الولاية ولم ينجب أطفالا ؟ هل لأنه رجل ؟

وذكرت فرجينيا أن ما يدعو إلى الهزل بعض الشيء ما قاله تيرنبول منذ خمسة عشرعاما مناديا بوقف ما وصفه “أزمة الخصوبة” في أستراليا في ذلك الوقت عندما كانت معدل الإنجاب عند النساء مضمحلا جدا فقال ” أن الأمة ستكون أكثر صحة وأكثر أمنا إذا تزوجت النساء في وقت مبكر وأنجبت أطفالا . ”  كما وأشارت أيضا إلى تصريح تيرنبول مؤخرا بأنّ المزيد من النساء أصبحت تتحرك في الأدوار التنفيذية والقيادية ، وإن قبولها في كثير من الأحيان يرتبط ضمنيا بشرط أن لا يكن لديهن أطفال . فما كان من ركلة آنذاك ، هو لكمة قاضية الآن .

ولا شك أن هناك الكثير من الحديث الذي يجري حول هذه القضية بالذات من حيث الخيارات والتضحيات التي تشكل مصائرالنساء وتؤثرعليهن في صنع القرارات حتى تتمكنّ من تسلق درجات الزلقة للقيادة . كذلك كنت انا شخصيا منذ عدة سنوات .

لا زلت أذكر ذلك المقال الذي قرأته يوما رغم مرورعشرين عاما أو أكثرعلى اليوم الذي قرأته فيه ، حينما كنت جالسة في غرفة الإنتظارلأحد الأطباء الأخصائيين ، ووقع بين يدي كتاب ثمين من مجلدات الانسايكلوبيديا إذ رحت أتصفحه بسرعة فائقة ، فوقعت عيناي عليه صدفة وأخذت في قراءته بنهم شديد ، والخلاصة مفادها مايلي : ( تدل الإحصاءات على أن النساء الطموحات اللواتي يتبوأن المراكز الوظيفية العالية ، بما ويتناسب مع قدراتهن ومواهبهن ، أنهن يمثلن نسبة عشرة في المائة فقط من الجنس الأنثوي في العالم ، وأن هؤلاء يعتبرن من فئة العازبات ، فتراهن إما متزوجات من غير أطفال ، أو مطلقات ولم ينجبن أطفالا ، أولم يتزوجن على الإطلاق . وأن النساء اللواتي اعتقدن أن في وسعهن أن يمارسن كل شيء في وقت واحد ضمن وجود الأسرة لديهن وأن يصبحن بما يعرف “سوبر وومان” ، قد اكتشفن أنهن على وهم وأنه ليس هناك شيء يسمى “سوبر وومن” إطلاقا ، خصوصا إذا كانت المرأة تربي أطفالا صغارا في حين أنها تشغل منصبا مرموقا ذو قيمة عالية.)

 ولا بد وأن أصرح هنا أن هذا المقال قد ترك أثرا عميقا في نفسي حيث كنت في ذلك اليوم أفكر في الاستقالة من عملي الحكومي ذات الدوام الكامل ، وكنت مسئولة إدارية في قسم المحاسبة ، إلى جانب تربية أطفالي الاربعة مع زوجي ، وممارسة مهنة الفنون الرفيعة في إقامة المعارض بدوام جزئي ، وكذلك مشاركتي طوعا في الصحافة العربية عندما كان لي عمودا أسبوعيا في صحيفة النهار بعنوان ” كلمة عابرة ” ، ومساهمتي أيضا في تقديم بعض البرامج الإذاعية في راديو الإذاعة العربية .  كل هذا من منطلق هوايتي وشغفي في المجالات الإبداعية في الأدب والفكر والفنون . كنت في ذلك الوقت في قمة عطائي من أجل تطوير قدراتي وإفادة الجالية ، مما جعل بعض المعارف والأصدقاء يطلقون علي لقب ” سوبر وومان ” ، فكان هذا الإطراء يزيدني حماسا على الاستمرار في العطاء المتفاني ويمنحني أكثر ثقة بنفسي ، ولم يكن هذا غريبا عني – وليس كبرياء مني – خصوصا وأنني كنت بكل تواضع أحوز على الجوائز التقديرية بانتظام منذ نعومة أظفاري من الحاكم العام في المنطقة لتفوقي دائما في الدرجة الأولي على المدرسة في جميع المواد ، وكذلك الأولي على المنطقة بأسرها في مادة الفنون .  كان تفوقي دائما يفعم الطموح في داخلي ويؤجج شعلة الصعود في نفسي ، ولا بد لي وأن أشير هنا أنني قد أهملت بعض الفرص الواعدة في مستقبل حياتي ، أذكر منها الوظيفة التي عرضها عليّ عضو المجلس التشريعي في برلمان الولاية الراحل جيم ساميوس في عام 1997 يعد حضوره  لبعض معارضي ، ولكني لم أكترث لهذا العرض إطلاقا لأن أسرتي وممارسة الفن دائما تتصدرالأولوية .

واليوم ، فقد آمنت بعد أكثر من عشرين عاما أنه لا يوجد “سوبر وومان ” ، وأنه لا بد من صنع القرار وحرية الخيار للمرأة في عمر مبكر من أجل متابعة مسيرتها ، وأن الفكرة القائلة بأن المرأة من غيرأطفال تتمتع برفاهية “الترف” أكثر من الأمهات اللواتي يعملن بجد ، ربما تكون غير مستحبة لبعض النساء لأن هؤلاء الأمهات العاملات يبذلن بالفعل مجهودات مضاعفة للتوفيق بين العمل وتربية الاطفال وإعالة الاسرة ، خصوصا إذا كانت المرأة لا تزال في عمر الشباب ولديها أطفال صغار وتتميز بالطموح والكفاءة وتبحث عن ترقيات . ولذلك أصبح المجتمع اليوم يشهد الكثير من الحواجز التنظيمية التي لا تعد ولا تحصى ، وبالتالي تقف حائلا أمام تقدم المرأة التي تتميز بالطموح والقدرات ، فلا عجب إذا رأينا بعض النساء تختار أن لا تتزوج أو لا تنجب أطفالا ، أو تؤخر التفكير في الإنجاب حتى ولو بعد فوات الأوان . وفي النهاية فالمسألة ليست مجرد فوات الاوان على بعض النساء وإنما الخاسر الأكبر هي الأمة والمجتمع ، حيث لا تزال البرلمانات الأسترالية ومعطم الشركات الكبرى تمثلها معاقل الذكور أكثر بكثير من الإناث .

وفى الختام لا يسعني إلا أن أهنئ غلاديس برجيكليان على تنصيبها رئيسة الولاية ، لأنها اختارت أن تتزوج وظيفتها ، وأن تكون راهبة في نطاق عملها المضني ، باعتبارها “أم التضحيات” ، وأنني فخورة جدا برسمي لصورتها المشرقة ، فهنيئا لها وهنيئا لنا في ظل حكومتها المرموقة .