أوسمة الشرف من قبل الدولة في أستراليا وتشجيع ترشيحات المرأة

    

أوسمة الشرف من قبل الدولة في أستراليا وتشجيع ترشيحات المرأة

OAM بقلم مارسيل منصور

أوسمة الشرف في أستراليا هي تلك التي تمنحها الدولة لمواطنيها اعترافا بالإنجازات الفعلية التي ينجزها أصحاب الفن أوالأدب أوالعلوم أو ضروب أخرى من النشاط … وغيرها. وإن لكل دولة وسائلها المتعددة التي تعلن بها عن تقديرها لأصحاب الخدمات البارزة كالأوسمة والمناصب والرواتب العالية وماشابه ذلك. ومما يلفت النظر أن مثل هذه الجوائز الكبرى وأوسمة الشرف لا يحصل عليها المتلقي إلاّ بعد أن يلمع اسمه و يصبح بغير حاجة إلى الشهرة او المنصب، وكأنها مثلما وصفها برنادشو –” كطوق النجاة نعطيه لمن نجا بالفعل واستقرعلى شاطئ الأمان” – ولعل الفائدة هنا تكمن في المعنى المتضمن وهو شعورالفائز والناس من حوله بالارتياح والرضا على ما يقدمه من إنتاج.

ففي أستراليا، بمناسبة العيد السنوي لملكة بريطانيا إليزالبث الثانية تقوم الحكومة الأسترالية من كل عام بمنح الأوسمة الرفيعة لعدد من الأستراليين تقديرا لخدماتهم المميزة، وقد تم إنشاء نظام الشرف الأسترالي على يد حكومة جوف ويتلام في 14 فبراير منذ عام 1975 من قبل ملكة أستراليا اليزابيث الثانية، وأن سعادة الحاكم العام سير بيتر كوسغروف هو المسئول الرئيسي في أستراليا. ويتم ألإعلان عن قائمة التكريم في عيد ميلاد الملكة يوم الاثنين من الاسبوع الثاني من يونيو/ حزيران من كل عام، ويتضمن ذلك أسماء الحاصلين على الأوسمة التي تصدرها الحكومة الأسترالية لهؤلاء الذين قدموا خدمات مميزة. وقد صادف هذا العام 2017 عيد ميلاد الملكة رسميا يوم الاثنين 12 يونيو/ حزيران في ولاية نيو ساوث ويلز.

 يقول سير بيتركوسغروف : “إن نظام الشرف الأسترالي يشكل جزءا حيويا من النسيج الاجتماعي للدولة،  فهو يساعد على تحديد، وتشجيع وتعزيز تطلعاتنا، ومثلنا، ومعاييرنا الوطنية من خلال تعريف هؤلاء الذين يساهمون مساهمة بارزة في مجتمعنا . إن المتلقين لجوائز الشرف الأسترالية هم من فئة الذكور والإناث الذين يقومون بأعمال فذة لإثراء المجتمع والوطن من خلال خدماتهم المهنية الواسعة في القطاعات العامة والخاصة.  فنرى أن هؤلاء المبدعين في حياتهم اليومية يتحلون بالقيم الثمينة التي تعتز بها الدولة مثل التعاطف، والكياسة، الشجاعة، الطيبة، التسامح، والطموح المفعم بالحيوية والنشاط، لأن هؤلاء يعتبرون مصدر إلهام للجميع كي يصبحوا أكثر حماسا وعطاءا، من أجل دعم مسؤولية المشاركة الكاملة للمواطنين.”

إن منح حكومة أستراليا أوسمة الدولة للمواطنين المميزين ماهو إلاّ إعتراف رسمي لهولاء الأستراليين الذين يساهمون في تقديم خدمات بارزة في جميع مجالات الحياة لمجتمعهم ولأستراليا. وقد يتم الترشيح لمنح جوائز الشرف في أستراليا من أعضاء المجتمع إلى الحاكم العام في كانبرا مباشرة في الخفاء دون علم الشخص المرشح للجائزة. يتم الإعلان عن جوائز قائمة الشرف في أستراليا مرتين في السنة، في يوم أستراليا (26 يناير/كانون الثاني) وفي عيد ميلاد الملكة (يوم الاثنين الثاني من يونيو/حزيران).

 بالنسبة لترشيحات المرأة، فقد دلت الإحصاءات على أن 28 % فقط من الإناث قد تم ترشيحهن خلال العشر سنوات الماضية، وأن هذه النسبة لا تمثل الواقع في نظام الأوسمة والجوائز الأسترالية، خصوصا أن العاملات في القطاعات الصناعية التي يسودها الذكور ممثلة تمثيلا ناقصا في منح الأوسمة الأسترالية.

كنت قد قرأت مقالا في الماضي للصحافيّة الأستراليّة المعروفة آن سمرز تحت عنوان: “معايير جديدة لجوائز شرف التكريم في أستراليا” في يناير 2013 قالت فيه أنها قد رشحت أمرأة كرست حياتها لقضية ضحايا العنف العائلي طيلة أربعين عاما، وبعد عامين منحت جائزة، ولكنها شعرت بخيبة الامل لانها لم تحصل على جائزة المرتبة الأعلى. وأضافت أن هناك فئة من الناس لا تعرف أهمية هذه الجوائز إلاّ عندما يلتقون بأحد هؤلاء الأشخاص الحاصلين عليها، فيدركون على الفور قيمة هذه الجوائز الرفيعة ويتملكهم الفخر العارم بهذا التكريم الهائل من قبل بلدهم أستراليا. هذا هو نوع الفخر بالتحديد الذي أولده (جوف ويتلام) في عام 1975 عندما أسّس نظام منح جوائز الشرف في أستراليا “لغرض الاعتراف بالمواطنين الأستراليين وغيرهم بإنجازتاتهم وخدماتهم الجديرة بالتقدير.

فمنذ عام 1975-2013 تلقى 28043 شخصا جوائز الشرف الأسترالية، وكانت النتيجة بمثابة صدمة سيئة لاكتشاف أن نسبة المتلقين لهذه الجوائز هي في الغالب من الذكور ومقصورة على الجنس الأبيض حصريا، مما خلق شيئا من الغموض والشكوك في إمكانية وجود خلل في النظام قد يعكس شيئا من التحيز المتأصل والعنصرية، ولما كانت هناك موجة من الاحتجاجات حول ذلك، خصوصا وأن المرأة لم تحصل إلا على 25.5% من الجوائز في عام 2013، وأن نسبة الإناث المتلقية لها منذ تأسيسها 30% فقط، فقد قيل أن السبب الأساسي في ذلك قد يعود إلى أن عدد الإناث اللواتي رشحن أقل بكثير من عدد الذكور، ولكي يتم النظر في الحصول على جائزة، لا بد وأن يتم ترشيح الفرد لها. ولم يقتصر الأمرعلى أن الذكور يحصلون على 70 في المائة من جميع الجوائز، وإنما أيضا نوعية الجوائز التي تتلقاها الإناث تتجه نحو المستويات المتدنية، ولا تجد سوى اثنين من السكان الأصليين، واثنين من الصينيين، ولا حتى شخصا واحدا من الفيتناميين. وهذا يعني أن قائمة جوائز الشرف من الأستراليين الذين تم تكريمهم من قبل بلادهم لا تعكس التنوع الإثني والثقافي الحقيقي الرائع في بلدنا العظيم أستراليا. ومنذ ذلك الحين تقرر معايير جديدة لنظام جوائز الشرف الأسترالي. ومما يلفت الإنتباه أن السبب الأساسي في انخفاض نسبة الإناث في تلقي جوائز الشرف ليس هو تقصير منهن وإنما يرجع إلى أنهن يعملن بصمت ولا يعرف الناس عنهن، وبالتالي لا أحد يرشحن.

وهنا أود أن أذكر أنني كنت قد رشحت شخصية تستحق في عام 2008 لجائزة الشرف، وبعد سنتين فازت تلك الشخصية بالجائزة مما غمرني بالسعادة، وكنت أسمع كثيرا من الآخرين يقولون لي في وجهي بأنني أستحق مثل هذه الجائزة منذ زمن مضى، ولكن في الواقع لم يرشحني لها أحد ؟ ولم أسمع عن ترشيحات أخري للمرأة في جالياتنا العربية إلا مؤخرا و نادرا جدا؟  وإذا سألت لماذا فلم أجد جوابا مقنعا، وربما يرجع السبب إلى أن مجتمعنا العربي مازال مجتمعا ذكوريا في التفكير وبالتالي قلما يخطرعلى بال رجل أن يرشح إمرأة، وربما أحيانا يعود السبب إلى الجهل بنظام جوائز الشرف، أو الغيرة و المنافسة الهدامة وحب الذات أحيانا أخرى. ومهما كان السبب فإني أعتقد اعتقادا راسخا بأن هناك بعض الشخصيات الفذة من الإناث في جالياتنا الأسترالية العربية اللواتي يعملن بجد وإخلاص، و مع إستمرارية العطاء لا بد وأن يحصلن على التكريم واستحقاق الشرف من جوائز الدولة في الوقت المناسب.

تدل النتائج الأخيرة انه في أوائل هذا العام 2017، شكلت النساء 34.7 % من تلك التي تم تكريمها في يوم استراليا، وتعتبرهذه الزيادة طفيفة خلال متوسط السنوات الخمس حتى عام 2016 البالغة 31.4 % فقط ، ولا تزال قائمة التكريم تعاني من مشكلة تتعلق بنوع الجنس. وبما أن هذا النظام قائما على الترشيحات من قبل أفراد المجتمع، فإن النسبة المئوية لن تزيد إلا إذا تم ترشيحات عدد أكبر من الإناث،  فالواقع أنه يوجد العديد من النساء غير المعروفين لدى الآخرين واللواتي تستحقن التكريم، يمكن ترشيحهن لنقول لهن شكرا على إنجازاتهن وخدماتهن الرائعة.

وردا على الانتقادات المتزايدة بشأن انخفاض نسبة النساء اللواتي يتلقين جوائزالشرف في أستراليا هذه السنة، فقد أعلن الحاكم العام السير بيتر كوسغروف عن مبادرات لمعالجة التوازن، إذ شجع الأستراليين على استخدام اليوم العالمي للمرأة، 8 مارس، كفرصة لترشيح النساء اللواتي هنّ أهل للإستحقاق. فكانت رسالتة للمرأة في يوم المرأة العالمي هذه السنة، التشجيع على ترشيح عدد أكبر من النساء في اليوم العالمي للمرأة لنيل جوائزالشرف الأسترالية.  وقال في خطاب تلفزيوني تم عرضه في جميع أنحاء فعاليات اليوم العالمي للمرأة:  “لم تعترف أستراليا بعد بالنساء اللواتي يحطمن سقوف الزجاج، ويكرّسن أنفسهن وجهودهن من أجل قضايا جديرة بالاهتمام، ويساهمن الكثير في بناء مجتمعنا.” كما انضمت إلى زوجها السيدة كوسغروف في الدعوة لترشيح المزيد من الإناث فقالت : “عشية اليوم العالمي للمرأة، آمل أن ترشح إمرأة تعرف انجازاتها من أجل أن يتم الاعتراف بها والاحتفال من قبل نظام الشرف الأسترالي”.  لذلك، فإن الثامن من مارس يعتبر دعوة لترشيح المرأة.

وعلى وجه العموم فقد وصفت اللجنة المختصة – ديمغرافيا – بأن قائمة الشرف في هذا العام 2017 هي الأكثر تنوعا من الأعوام السابقة، وتشكل الإناث نصف المجموع الكلي من الجوائز، وأن 10 % منهن من الخلفيات الداكنة والأقليات الإثنية . بما يعني أن المرأة المهاجرة ما زالت ضعيفة الحضورعلى الساحة. إنه من الواجب علينا تشجيع المرأة على استمرارية العمل و ترشيحها لنيل جوائز الشرف في أستراليا. لقد آن الأوان لأن ترشح بعض الإناث المنجزات في مجالاتهن ومحيط جالياتهن واللواتي مازلن يقدمن خدمات رائعة، ويساهمن في بناء المجتمع الاسترالي بصفة استثنائية.