التقديس التاريخي لأول قديستين فلسطينيتين هونصر ومؤشر لولادة جديدة

 By Marcelle Mansour بقلم مارسيل منصور
يعتبرالتقديس التاريخي لأول قديستين فلسطينيتين عربيتين من قبل البابا انتصار آخر للفلسطينيين، منذ إعلان الفاتيكان لاتفاقية “دولة فلسطين” قبل عامين، لأن في ذلك دعوة حيوية لإحياء الخارطة الفلسطينية، وتشجيع العمل قدماّ نحو تحقيق السلام العادل.
ففي يوم الأحد 17 مايو أيار، حضر جمهوركبير يقدر بأكثر من 3 آلاف مسيحي من الفلسطينيين من أنحاء العالم في ساحة القديس بطرس في حاضرة الفاتيكان، بحضوررئيس دولة فلسطين محمود عباس، ووفد فلسطيني ديني وسياسي رفيع المستوى، ورؤساء المجالس المسيحية بما فيهم مجلس الحوار مع الأديان، وجمع كبير من الكرادلة والأساقفة من الفاتيكان وباقي بلدان العالم، من أجل الاحتفال بمراسيم هذا التقديس الهام، للقديستين ماري ألفونسين غطاس (1847-1927) من القدس، مؤسسة جمعية راهبات الوردية، في مدينة القدس، والراهبة مريم ليسوع المصلوب بواردي حداد (1843-1878) من الجليل، ومؤسسة دير راهبات الكرمل في مدينة بيت لحم ودير كنيسي الهند من الجليل، وكلاهما عاشتا في الأراضي الفلسطينية تحت الحكم العثماني خلال القرن التاسع عشر.
وقد ينظر بالطبع إلى هذه الخطوة على أنها دعم من الفاتيكان للمجتمعات المسيحية التي تعاني من التناقص الملحوظ في أعدادها في الشرق الأوسط ، ولذا فإن هذه الخطوة هي بمثابة محاولة فعالة بالنسبة إلى روحانيات المشرق العربي وبالذات الفلسطيني، ولعلنا نرى فيه أهمية بالغة، ومؤشر بداية لولادة جديدة في العالم السياسي المعاصر. خصوصاً في مسألة القضية الفلسطينية وعرقلتها، وتحريرالأرض من براثن الاحتلال وتعسفية الصهيونية. فهذه القضية المستعصية كانت وما زالت من أهم القضايا المحورية التي تشغل ساسة العالم ونقادها، وقد اهتموا مرارا ًفي معالجتها ووضع الحلول لها دون جدوى، وذلك لأن هناك حلقة مفقودة مستديمة، مما يجعل محاولة المحاورة السياسسية متحجرة ومتجمدة، وتحتاج إلى خطة فكرية جديدة – في اعتقادي- فيها مسحة من الروحانية واالإبداع والتجديد. فالصلة هنا قائمة بالفعل على العمق في سدّ هذه الحلقة المفقودة.  ولذلك فإن مانراه في بعض جوانبها أنها تتخطى إلى ماهوأبعد من ذلك بكثير.
فعلى الرغم من أن هذا الحدث في مظهره احتفال ديني إلاّ انه يحمل في طياته رسالة وطنية سياسية بشكل إيجابي. مثل هذا التطورهو نقطة انطلاق حديثة، قد تكون له أهمية كبرى، ومن المرجّح أن يكون له تأثيركبيرفي دفع عملية السلام والنظر في تسوية النزاع من خلال المفاوضات الثنائية المباشرة. نأمل أن يترتب على ذلك مستقبلاّ إزالة العقبة الرئيسية لتسريع التقدم للسلام في المنطقة، ولعله بشكل غير مباشر يساهم في مساعدة الفلسطينيين علي إقامة “دولة فلسطين” مستقلة ذات سيادة وديمقراطية.
كان الفاتيكان قد رحب سابقاً بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2012 بالاعتراف ب”دولة فلسطينية”، كما واعترف رسميا ب”دولة فلسطين” في معاهدة جديدة أبرمها في 15 مايو أيار 2015، إذ تزامن هذا الحدث الكبير مع الذكرى السابعة والستين للنكبة. ولا شك أن السلطة الفلسطينية قد تعتبرالفاتيكان واحداً من 136 دولة اعترفت بفلسطين كدولة، وهذه المناسبة المقدسة فقد تم اعترافها صراحة بالدولة الفلسطينية. هذا ما أكده وزيرالخارجية للفاتيكان المونسنيور أنطوان كاميليري، الذي صرح بالتغيير الراهن في الوضع السياسي، حيث تنص الاتفاقية الجديدة على تحويل العلاقات الدبلوماسية من منظمة التحرير الفلسطينية الى “دولة فلسطين” ، وهذا يعني فعلا الاعتراف بوجود الدوله الفلسطينية.  كما وعبرعن أمله في وضع حد للتوترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبدعم وجود دولتين، مستقلتين منفصلتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام.
على الرغم من أن هذه المناسبة المقدسة قد تم تفسيرها من قبل بعض الأطراف ، باعتبارها تدخل إيجابي من قبل الفاتيكان في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما وعبّرت إسرائيل عن خيبة أملها في المعاهدة التي تخدم مصلحة «الدولة الفلسطينية»، إلاّ أن حدث التقديس هذا يعتبر بالغ الأهمبة وله أكثر من مغزى من جوانب عديدة : فهو يعتبر رسالة قوية من الكرسي الرسولي على أن وجود المسيحيين الفلسطينيين متأصل الجذور في أرض فلسطين والقدس منذ الأزل والتي تسمى الآن إسرائيل (بعد الاحتلال 1948)، وأن المسيحيين الفلسطينيين لديهم تراث عتيق منذ أكثر من 2000 عام، وانهم كانوا يعيشون فعلياً في ذلك الوقت في زمن يسوع المسيح عليه السلام  وعلى نفس الأرض التي عاش عليها حيث انه هو نفسه كان فلسطينياً.
هذا وأن التاريخ يؤكد للعالم أيضاً أن الفلسطينيين قد عاشوا تحت الحكم العثماني في القرن التاسع عشر وأنهم ساهموا في بناء المجتمع المتنوع، وكانوا جزءا لا يتجزء منه، والعيش في تسامح وسلام وانسجام مع الآخرين بما فيهم المسلمين، كما وأن ذلك يثبت للعالم أنهم ليسوا حثالة، خلافا للدعايات الكاذبة والبروبوغاندا التي ابتدعها الصهاينة .
 ففي عام 1948، عندما أنشئت دولة إسرائيل ، كان يمثل المسيحييون في فلسطين نحو 18 في المئة من السكان، على مر السنين أخذ هذا التضاؤل في التزايد إلى أن أصبح الآن أقل من اثنين في المئة، حيث أن الآلاف منهم فد تعرضوا للمعاناة في ظل الأوضاع السياسية مما دفعهم إلى مغادرة فلسطين. وقد ينظر بالطبع إلى هذه الخطوة على أنها دعم من الفاتيكان للمجتمعات المسيحية التي تعاني من التناقص الملحوظ في أعدادها في الشرق الأوسط. ولهذا فإن هذا الحدث له من الأهمبة البالغة مستقبلاً في أن يضع فلسطين مرة أخرى على الخريطة، ليس فقط بين العالم المسيحي، وإنما العالم بأسره، وسوف يساعد الأمم أيضا على أن تفهم أن أرض فلسطين كانت موجودة منذ مئات السنين، وكان يسكنها الفلسطينيون العرب قبل احتلال اسرائيل ، وأنهم قضوا وما وما زالوا يقضون عمرهم في الدفاع عن حقوقهم المشروعة في استرجاع ارضهم التي سلبت منهم.
إن هذا الحدث الديني لديه أيضا رسالة وطنية أخرى، فبما أن الراهبات هما من المسيحيين الفلسطينيين العرب، وبالتالي فإن العرب الفلسطينيين فخورون بأن لديهم من قديستين اثنتين من فلسطين، مسقط رأس يسوع المسيح عليع السلام والذي يمكن أن يكون له تأثير كبير في إلهام الفلسطينيين على التحول الروحي وكيفية التغلب على كل المشاكل المحيطة بهم. كذلك هناك رسالة أخرى دلالتها بِان يفهم العالم أن الشرق الأوسط ليس فقط ما تروجّه الإشاعات وعناوين وسائل الاعلام من العنف والإرهاب، وإنما هذه الشعوب الناطقة باللغة العربية لديها تاريخ غني،  يتكون من المجتمعات  المتعددة والمختلفة في منطقة الشرق الأوسط، مثل الأقلية المسيحية التي ساهمت بشكل ملحوظ  في بناء الدولة الفلسطينية، وفي التراث العالم الثمين وبناء السلام في العالم.
 كذلك ، فإن هذا التطور التاريخي قد يظهرأيضا الوجه المشرف للبابا، دينيا وسياسيا، على أنه بالفعل يهتم بفلسطين وبالشعب الفلسطيني وذلك لأنه يعرف “الحقيقة”.  إن عمله هذا في الحقيقة هو خطوة إيجابية نحو التغيير الاجتماعي والسياسي من أجل الانخراط في عملية السلام والعدالة والحرية، وإنهاء الاحتلال الصهيوني الذي لا يزال مستمراّ منذ سبعين عاما.  ففي الواقع، إن قضية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي قد يتعلق بالأمم ويخص العالم أجمع، ولا بد من حتمية إيجاد الحلول المرضية وإعلدة صياغة الواقع من الحرية والعدالة والسلام العالمي. على أمل أن يجد قادة العالم لأشلاء القضية الفلسطينية شرياناً قد يجعلوا منه كائناً حياً حساساً لما حوله على النحو الذي يؤكد البقاء والوجود من أجل التغيير بنظرة حديثة حيوية خلاقة.

في ذكرى النكبة السابعة والستين

في ذكرى النكبة السابعة والستين الى متى المسير؟ والى أين المصير؟

 By Marcelle Mansourبقلم مارسيل منصور

اليوم في 15 مايو أيار 2015، يذكرنا بمرور العام السابع والستين ليوم «النكبة» الفلسطينية، وهي «الكارثة» التي حلّت بالفلسطينيين عند طرد وتهجير الشعب الفلسطيني من أجل إنشاء وإقامة دولة إسرائيل عام 1948. أتوقف هنا برهة لأفكر وأقول : ماذا صنعت لنا سبعة وستون عاما مضت في حياتنا السياسية والوطنية والفكرية، من أجل التغييرالحقيقي في جوهرالقضية الفلسطينية؟ ماذا بعد «نكبة »1948؟ ثم «نكسة» 1967؟ ثم الحروب المتتالية التي ما زالت تنهك في الشعب الفلسطيني؟ وماذا بعد المظاهرات السنوية في أنحاء العالم عامة وفي شوارع سيدني خاصة ، والرأي العام ما زال شبه متجمداً تجاه مفهوم «النكبة» والقضية؟ أسئلة وأجوبة متلاحقة تدورفي خلدي لا يمكن شرحها هنا ، ولذا رأيت أن أعيد نشر مقالتي بتاريخ 15 مايو2013 ، أي منذ سنتين مضت كما هي  اليوم في 15 أيار مايو 2013، يذكرنا بمرور العام الخامس والستين ليوم «النكبة» الفلسطينية، وهي «الكارثة» التي حلّت بالفلسطينيين عند طرد وتهجير الشعب الفلسطيني من أجل إنشاء وإقامة دولة إسرائيل عام 1948
ست حقبات ونصف مضت، والحقيقة ما زالت غامضة وشبه مجهولة عالمياً لدى الكثير من الشعوب. هناك تاريخ طويل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي كان وما زال يتعرض للتشويه من قبل وسائل الإعلام وغيرها، ونتيجة لذلك تظل القضية غير محدّدة المعالم … حتى أصبحت على مرّ السنين … وكأنها لغز مبهم يصعب حله … أوكأنها مرض مزمن قد أصاب الفلسطينيين وأصبح يلازمهم ولا بدّ لهم من أن يعايشوه !

فأنا ما زلت أذكر في أغسطس 2010 عندما قدّمت كلمة موجزة عن النكبة والهجرة، استقيتها من التجربة الشخصية لعائلتي المهاجرة من يافا، وكان هذا في قاعة النادي الفلسطيني بمناسبة تدشين كتاب «الفلسطينيون في استراليا» للمؤلف الصحافي الشقيق هاني الترك. ولدهشة الحضور قالت السيدة باربرا بيري عضو البرلمان : «انها لأول مرة تتعرف على المعنى الصحيح لمفهوم كلمة «النكبة» هذه اللفظة العربية التي يصعب فهمها واستيعابها.» وهذا ما يدل على أن كلمة «النكبة» قد يسمعها البعض أحياناً وكأنها واحدة من مرادفات اللغة العربية فقط. وقد يسأل سائل لماذا التعقيد؟ وهل أن الرأي العام غافلٌ وغشيم عن حقائق التاريخ؟ وهل أن القضية الفلسطينية هي لغز معقّد التكوين ولا يمكن إيجاد حل له كما يدعي البعض؟ وإذا كان الأمر كذلك، وعلى فرض أن هذا اللغز بمثابة صورة تتكوّن من قطع مبعثرة، فكيف يمكن أن نجد الحل من غير الحصول على القطع الضائعة؟ ويمكن تعليل ذلك لو تعمقنا في فلسفة «الجشطالت» أو «علم النفس الإدراكي» والذي عن طريقه نستطيع أن نعرف أن حل المشكلة قد يكمن في الأجزاء المكونة لها… وأنه لا يمكن أن تحل لغزاً محيّراً إذا كان هناك عدد من القطع مفقودة … فمذهب «الجشطالت» بالألمانية هو «جوهر كيان الشكل الكامل» القائم على نظرية العقل ومبدأ أن العين البشرية ترى الأشياء في مجملها قبل إدراك أجزائها. إذن الحل للمشكلة يكمن في إيجاد الأجزاء المكونة لها من أجل أن تصبح الصورة كاملة وواضحة المعالم

ولهذا السبب نرى أن القضية الفلسطينية مبهمة حتى باتت وكأنها لغز في عين الآخرين. وإذا كانت بعض القطع ضائعة في أي لغز بسيط ولذا يتعذّر حلّه ، فما بالنا لو كانت القطعة الجوهرية المركزية هي الضائعة؟ ألا وهي مفهوم «النكبة»؟ التي ينكرها «العالم» والقانون الدولي؟.. وإذا كانت المفاهيم مقلوبة في جوهرها … فكيف يمكن إيجاد حلّ لها؟

فمنذ إنشاء دولة إسرائيل في فلسطين وحدوث «النكبة» في 1948… شهد التاريخ ما بين نوفمبر 1947 ويناير 1949 انه قد تمّ تدمير 530 قرية ومدينة فلسطينية وقتل 13000 فلسطيني، وتهجير 700 و750 لاجئاً … وأنه في العصر الحاضرهناك حوالي سبعة ملايين لاجئ فلسطيني يكوّنون أكبر جالية من المهجرين اللاجئين في العالم وما زالوا يعيشون في المنفى بينما هناك آلاف يعيشون في سجون غزه … وأن حوال ثلثي تعداد السكان الفلسطيني هم لاجئون في المنفى حيث يشكل الفلسطينيون اليوم أكبر جالية وأقدم مجموعة لاجئين في العالم، وأن 40٪ في المائة من اللاجئين هم فلسطينيون، وأن 74٪ في المائة من مجموع السكان الفلسطينيين هم لاجئون. كل هذا نتيجة النكبة والتهجير.

وعلى مدى التاريخ الدموي المديد، ومقاومة الاحتلال ، وكما نعرف … نرى أن هناك بعض الحلول السلمية التي طرحت على مرّ السنين الأخيرة، مع مراعاة مدينة القدس بأنها مهد الديانات السماوية الثلاث الكبرى، كما وأنه ما زال مطروحاً في مفاوضات السلام إيجاد الحلول المناسبة … كدولة أو دولتين..! علمانية أو دينية !!
وفي خضمّ كل هذا وذاك … ما زال الفلسطينيون يقومون بإحياء ذكرى النكبة في كل أنحاء العالم على أمل أن «العالم» لم يعد يُخدع … وأن يكون الرأي العام في «العالم الغربي» مستعداً اليوم لاستقبال الحقائق الصادقة.. لأن التساهل حيال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يعتبر مشبوهاً وهو خرق للقانون الدولي وحقوق الانسان
ومما لا ريب فيه أنه قد آن الأوان للكشف عن الوجه الحقيقي للقضية الفلسطينية ومفهوم «النكبة» وربما هذا يعطى الأمل في الحرية وإنهاء الاحتلال والرجوع الى الوطن وتحقيق السلام العادل في ظل الإنسانية والحقوق المشروعة

وكم يشتاق الفلسطينيون الى الاحتفال في يوم «الاستقلال» بدلاً من إحياء ذكرى «النكبة» فإلى متى المسير؟ والى اين المصير؟

حصاد مر) كتاب د. سليم نزال)

De Salim Nazzal 's Book   Marcelle Mansour's Literary Critical Article in Dr Salim Nazzal's book, El-Telegraph, April 2015

 حصاد مر) كتاب د. سليم نزال)

 من الأيدويولوجية إلى الموضوعيه وسوسيولوجيا الأمل

By Marcelle Mansour بقلم مارسيل منصور

 د. سليم نزال ، أستاذ الفكر والقلم الحر، في ثورته الفكرية هذه يتجاوز حدود الأقاليم ، فهو المفكر الثوري الذي يتخطى الزمن ويجتاح المسافات وسط استيطان الغربة التي تكشف عن جراح الوطن والأوطان معا ، فتحكي للعالم حصاد مرارة التاريخ التي غرس فيها آلامه وآماله خارج حدود فلسطين ، حيث يصيرالإنتماء نضالاً ضميرياُ وليس جغرافياً 

إنه لا مناص لكتّاب عصرنا من المشاركة في روح عصرهم إيجابياً , وفي عصرنا هذا مشكلات عويصة تعددت ألوانها ، لكنها على اختلافها تتشابك كلها في جذور أصيلة ، لعل أهمها هو قلق الإنسان منا على إنسانيته ومجتمعه ووطنه .

قيل أن ” ضمير الأمة في كتّابها ” ، لأنه قد يختلف الناس والشعوب كثيرا في شئون الحياة الجارية وطريقة تنظيمها اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً ، لكن هناك ضرورة في بعض المواقف ، ما أن يختلف في شأنها البشر حتى تتأرق لها الضمائر في النفوس ، حافزة أصحابها إلى الجهر بالرأي الذي يرونه صواباً ، ثم الدفاع عن هذا الرأي مهما تطلب ذلك من كفاح وتضحية . وتلك هي المواقف التي تمس إنسانية الإنسان والوطن ، كالعدل والمساواة والديمقراطية وتحريرالشعوب من براثن الإحتلال والقضاء على التطرف والإرهاب ، وغيرها من القيم والمفاهيم الضرورية في حياتنا ، والتي مازالت تتأرجح ما بين الوقوع تحت فخ “الأيدويولوجية” و البعدعن صحة ” الموضوعيه” .

فقد صدر كتاب جديد للمؤلف والمؤرخ د. سليم نزال عنوانه (حصاد مر) ، قام بتقديم الكتاب الاستاذ عصام مخول – رئيس معهد إميل توما للدراسات الفلسطينية والإسرائيلية في حيفا – بشكل مسهب هو أشبه بتلخيص كامل للكتاب . وكتب المقدمة المؤلف نفسه إذ يقول فيها أنه يضم مجموعة متنوعة من المقالات المختارة التي تطرح مسائل عديدة في الفكر والثقافة والتاريخ والإجتماع السياسي ، فهو يسعى من خلاله إلى طرح أفكار نقدية ، من أجل إلقاء الضوء على ما يجري في المنطقة العربية لتوضيح وفهم طبيعة وتأثير زلزال الفوضى والتعصب وثقافة دكتاتورية الحقيقة والعنف اللامحدود . ومن جهة أخرى التأكيد على ضرورة احترام ثقافة التنوع والتعددية الدينية والسياسية التي تحتم علينا إستمراريتها ، كذلك إشكاليات العلاقه مع الآخر في الغرب ، والجوار العربي وتحليل ظاهرة الإسلاموفوبيا ، إلى جانب نظرته التحليلية في القضية الفلسطينية ص14

وسط خضم كل هذه المواضيع ، وقفت لحظة أفكر ، عندما أخذت أقرأ كتاب (حصاد مر) ، وطالعت جميع المقالات فيه ، فرأيت أن هذا الأديب المفكر –  والكاتب المسرحي والباحث والمؤرخ الفلسطيني المقيم في النرويج –  د. سليم نزال ، يعاني ما يعانيه جميع الفلسطينيين سواء في أرض الوطن أو بلاد الشتات ، كما ويعانيه الجمهور من أفراد ومجتمعات البلاد في الشرق الأوسط ، ولكن هناك الكثير من طبيعتهم الصمت الذي لا يفصح ، والمبدع أوالأديب بينهم هو وحده الذي ينطق ويعبرعما يودون قوله . ولذلك لعل القارئ يجد في هذا الكتاب أن المؤلف د. سليم نزال هو بمثابة ضمير حي خاص لنفسه ، وعام لوطنه ولجميع الناس .  .

فهو يستمد مواده و يستشهد عليها من وقائع وشواهد التاريخ –  وفي اعتقادي أن هذه الشواهد كلها تدل على أن الأديب الحق –  سواء كان من أصحاب الخيال المبدع ، أو من أصحاب الدعوات الفكرية ، إنما يقوم برسالة الإنسانية التي تهم العالم أجمع .

سؤال استوحيته من قراءتي لهذا الكتاب: ماذا صنعت لنا خمسون أو سبعون عاما في حياتنا السياسية والمجتمعية والوطنية والفكرية والثقافية ؟ ، والجواب هو “حصاد مر” !!! وربما يقودني هذا إلى السؤال التالي في تقييمنا : كيف السبيل إلى حل؟ !!! والسؤال اللاحق الحاسم هو: كيف يمكن أن يتحقق أملنا في التغييرالحقيقي؟!!! مثل هذه الأسئلة وغيرها تدور في خلدنا ونستشف الإجابة عليها من خلال المواضيع التي يطرحها المؤلف ويحاول معالجتها ، وكلها تمس القضية الفلسطينية في الصميم ، والإشكاليات العربية في العمق ، وربما بعض الأزمات العالمية ككل ، إذ يجيئ لنا المؤلف بشخصية تنويرالعصر، فهو يؤمن بالعلم ، و بالتقدم , و بمصير الإنسان ، ويدعو إلى حرية الفكر بادئاً من سرد وتحليل التاريخ ومنتهياً إلى كرامة الإنسان . لقد استمد فكره وأدبه وفعله من نظرته الثاقبه وإبحاره في الأغوار ، وكل هذه جميعاً صيغت وأشرقت لنا في قالب مختزل وواضح كضوء الشمس . ولهذا كنت أود لو أنقل إلى القارئ بعضاً من مقتبسات الكتاب ، ولكني أكتفي هنا بإلقاء الضوء على بعض النقاط التالية :

استوقف نظري فيما قرأت ، قوله “…ولكن أكبرخطر يتعرض إليه الباحث ، هو خطأ الوقوع تحت تأثيرالأيدويولوجيا …لأنه في هذه الحاله لن يكون في وسع الباحث العثورعلى فهم أشمل “للإشكاليات” المطروحه خاصة في الصراعات السياسية ، لأن كل طرف يستخدم التبشير بفكرته .”ص12 ،  ثم يشير إلى أن “الموضوعيه هي نقيض الأيدويولوجيا إلى حد كبير.”ص 13، وبالتحديد “ألموضوعيه النسبية” كما شرحها المؤرخ الإنجليزي ادوارد كار. فالمؤلف هنا يلفت أنظارالعرب إلى أهمية “الموضوعية” في السعي وراء فهم الحقائق بأعلى نسبة ممكنة من بين أكوام”الأيدويولوجيا” الكثيفة خاصة في الصراعات الحالية .”ص 12 ، عن طريق الغوص في العمق والنقد والتحليل ، خصوصاً وأن “الموضوعيه لها حضور ضعيف في الثقافة العربية.” ص12 .  يقول المؤلف ان السبب الذي دفعه إلى التفكيرفي هذا البحث ، هو “الهجمة الشرسة” التي استهدفت وتستهدف “الذات” الحضارية العربية والإسلام ،عن طريق التشويه الإعلامي الغربي السلبي عن العرب ص43 . وتجاهل التاريخ العربي لمرحلة ما قبل الإسلام ، و”المغالطة بين العرب والبدو” ، وتعميم تعبير”الجاهلية ما قبل الإسلام” ،”والوجود العربي المسيحي” ، وحركات التفاعل الثقافي . “إن العامل الأساسي في ذلك هوغياب القراءة ” الموضوعيه ” في الغرب ، والسبب في رأي المؤلف أنه يعود إلى تراث غربي يملك نظرة سلبية عن الشرق ، وخاصة ذلك الشرق الذي تصارع مع الغرب لفترات طويلة.” ص46  مثال على ذلك تغييب شخصية الإمبراطور( فيليب العربي 249-244) عن دوره المهم في إيقاف اضطهاد المسيحية ثم الإعتراف بها كديانة ، فلولا إيجاده للتسامح الديني لما استطاع الإمبراطور قسطنطين أن يتبنى المسيحية ص44 ، وأهم مصدر تاريخي لذكر الإمبراطور فيليب العربي هو المؤرخ الفلسطيني يوزابيوس القيصري الذي توفي عام 299 فكتب أن فيليب العربي هوأول امبراطور روماني يعتنق المسيحية ، وفي رأي المؤلف أن الإمبراطور فيليب العربي – وهو المولود في سوريا – من أسرة تعود جذورها إلى الجزيرة العربية ص 45 . ومن هنا يستخلص الكاتب بأنه لا بد لنا من البحث في التاريخ ودراسته بعمق من أجل “معرفة الذات” ص47

على ضوء ما سبق يجعلني الآن أتطرق إلى النقطة التالية ألا وهي  أهمية “معرفة الذات” من أجل تفكيك “صورالنمطية” – وأول ما يرد إلى خاطري في هذا الصدد – بناء على شرح الكاتب —  هو نمطية “الاسلاموفوبيا” ، إذ يطلعنا على تاريخ القرن التاسع عشر  حيث بزغ علم الانثروبولوجيا لدراسة الشعوب الغير أوروبية ، وظهرالإستشراق الغربي الذي صور العرب في الشرق بطريقة هزيله ، والذي انتقده بشدة المفكرالأمريكي الفلسطيني ادوارد سعيد في كتابه (الإستشراق 1978) بوصفه افتراضات أيدولوجية من بدع االفكرالغربي ص28 ، وهنا ينقد الكاتب الصورة النمطية القديمة في الغرب ، فمثلاً “أطلق المستعمرون وصف الكنعانيين على السكان الأصليين على أنهم أثل حضارة …” ص27-28 ، وأن هناك علاقة مؤكدة ما بين الصور النمطية ومستوى المعرفة الحقيقية أو المتخيلة

 ثم يشرح المؤلف إشكالية الصراعات المتعددة في التاريخ بين الشرق والغرب ، مثل صراع المصالح والصراع الشامل بكل الأبعاد السياسية والعسكرية والثقافية ، والصراعات المتعددة الأبعاد التي تشمل الجيوبوليتيك والإقتصاد والثقافة والتثاقف ، والصراع الحار والبارد وغيرها ، الأمر الذي يؤدي إلى “صور نمطية” عبر الزمن بسبب الصراعات المتواصلة عبرالتاريخ ص29 . وفي هذا السياق يقول أنه استعمل كلمة (إشكالية) لأن التعريف معقد وليس من السهل تفسيره قطعياً “ص50

 وفي رأي الكانب أن إشكالية “الإسلاموفوبيا” ما هي إلا واحده من نتاج تلك الصراعات ومن أمثال “الصورالنمطية” التي يسعى المؤلف إلى فهم وتفسير ظاهرتها وتفكيكها ، مشيراً إلى أن أهم عمل نقدي لنقد ظاهرة الصورة النمطية تجاه المنطقة العربية هو بلا شك كتاب ادوارد سعيد ( الإستشراق 1978) قبل أن يصبح مفهوم الإسلاموفوبيا متداولاً ص54 ، إذ قام بتفكيك الصورالذهنية التي هي بمثابة الأب الشرعي الذي يحمل الجينات لذات التصورات الثقافية والتي من أهم خصائصها ثقافة الشك والإستعلاء والكراهية لعموم العرب والمسلمين .”ص55-54 . ولعلني أذكر هنا ما أشار إليه المؤلف عما قاله صمويل هننغتون “في رؤياه لمستقبل الصراعات في العالم في عام 1993 بأنها لم تكن أيدولوجية بل ثقافية ، وبعدما قسم العالم إلى سبع ثقافات رئيسية ، اعتبرالإسلام سيكون مقاوماً للحضارة الغربية .”ص58 . أما الأسباب الثلاثة التي لعبت دوراً في تشكيل هذه الظاهرة – في نظر المؤلف –  فهي هجرة الملايين من المسلمين إلى أوربا والتطرف الديني والعنف الأعمى كعاملاُ أساسياٌ ، والصراع مع إسرائيل مع ضعف منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1982-

وعن إشكالية داعش ، فيراها الكاتب انها نتيجة لانهيارعام في منظومة القيم المتعارف عليها منذ مئات السنين . ففكر التطرف لا يأتي من السماء ، إنما هو حصيلة ظروف وعوامل متعددة .”ص178 ، و”الآن في ظل هذا الخراب وتمدد الأصوليات التي تدمرالتعددية الحضارية ، فإن النتيجة المؤكدة هي تجريف حضاري وكارثة حضارية وإنسانية غير مسبوقة في تاريخ المشرق . “ص178 ، كما وأنه لا بد من “إعادة الإسلام لوضعه الطبيعي كدين يحض على العدل و التسامح واحترام الإنسان .”ص181 ، لأنه “… من حيث البعد الإنساني ، فكل البشر متساوون في القيمة الإنسانية.”ص40

يسهب المؤلف في شرح العديد من النقاط التاريخية في التحليل والنقد ، ثم يدعو إلى تغيير الصور ذات الطابع النمطي ، إلى جانب المسألة الشرقية ، “وحماية المسيحيين من المتطرفين في الجانب الإسلامي مقترحاً بعض الحلول للنهوض بمجتمعاتنا من أجل الحرية والديمقراطية والمشاركة السياسية وضمان حقوق الجميع . يمكن تحقيق ذلك عن طريق حوارات ومصالحة تاريخية مع الحضارات المجاورة للعرب ص 67 ، كما ويدعو إلى ضرورة أن يكون لفلسطين بما تمثله من حضور تاريخي وروحي عظيم دور هام في هذه المحاورات . ويشجّع أيضاً أفكار طه حسين التنويرية بالتمسك بالهوية الوطنية والإنفتاح على الثقافات ص74 ،  ويرجّح أيضاً ثقافة مجتمعات الحداثة عن “الثقافة اللفظية ” أو”الظاهره الصوتية” ص79 التي سمحت للعرب” ترسيخ ثقافة التسلط في الحياة السياسية والإجتماعية.”ص82 . إن مشروع التصدي لفكر داعش وأخواتها لا يمكن أن يتم إلا من قبل قوى تمثل نقيضاً لهذا الفكر ، وهذا عمل تراكمي يحتاج لجهود جبارة من قبل المؤمنين بثقافة التعايش وقبول الآخر والتسامح.”ص176 . لقد أدى نهج تسييس الدين إلى تلك الكوارث التي نشاهدها في أجزاء كثيرة من الوطن العربي ، وحان الوقت لتخليص الدين من براثن من يريدون تسييسه لجعله أيدولوجية سياسية هدفها السيطرة والتحكم بمجتمعاتنا وبلادنا .”ص181

وأخيراً وليس آخراً يدعو المؤلف إلى خلق “سوسيولوجيا الأمل” التي تعتمد على استيراجية ضرب الجذورالفكرية المنتجة للتخلف وثقافة التطرف والإلغاء والإقصاء .”ص182، كما ويدعو أيضاً إلى مقاربة جديدة أسماها “استراتيجية الأمل .”ص187 . و الخلاصة أن هذا كله سوف لايمكن تحقيقه في تذويب إشكاليات الصراعات التاريخية إلا عن طريق التغيير والتحول من الأيدويولوجية إلى الموضوعيه واعتناق سوسيولوجيا الأمل في البحث العميق عن الذات والهوية من أجل تفكيك صورالنمطية والإنفتاح على الثقافات في ظال التسامح وتقبل الآخر

كانت هذه بعضاً للنقاط الهامه التي جاءت في كتاب (حصاد مر) . إن القارئ لهذا الكتاب سيجد سهولة في الاستيعاب ، وسيحصد ثروة تارخية تحليلية ونقدية عميقة ذات معرفة واسعة وثقافة عالية

خوذة الروح) في الذكرى المئوية للأنزاك)

(خوذة الروح)

    (1915 – 2015)  في الذكرى المئوية للأنزاك 

By Marcelle Mansour بقلم مارسيل منصور

Marcelle-Mansour-©2015.-The-Spirit-of-ANZAC-Light-Gauze-Painting

 حيث أني لا أتمكن من المشاركة في خدمة مسيرة الفجرفي الذكرى المئوية للأنزاك يوم 25 نيسان/ابريل 2015 ، رأيت أن أعيش تجربة فنية وروحية خاصة في الليلة
ذاتها ، شعرت عندها وكأن روح شهداء الحرب تحلق مثل الغيوم وظلال الجنود وحمائم السلام ، من وسط ثقوب الحروق البالية للخوذة الحربية التي احتفظت بها .
وبدون مقدمات وجدت نفسي مشدودة نحو تلك الخوذة العتيقة للجندي الراحل آفيرسون وقد أصبح عمرها الآن مائة عام ، وإذا تساءلت لماذا يا ترى؟ فأنا لست أدري بالضبط !… وربما كان ذلك لكوني فلسطينة المولد ، وكيف لا ؟ وأنا المهاجرة التي عاشت طفولتها وشبابها ونضجها وحصيلة عمرها وهي تعاصر آثار الحروب وتلاحق أخبار الوطن المسلوب . فقد عاصرت فعلياً اثنين من الحروب في طفولتي وشبابي ، ومازلت أذكر مناظر من وقائع جنود ودبابات وهزيع صوت قنابل تدوي في ذهني ولن تغيب عن مخيلتي … تركت غزة مسقط رأسي إلى مصر بغرض العلم ، وزرت استراليا في عام 1977 ثم هاجرت إليها في عام 1978، فأصبحت بمثابة الموطن الثاني لي ولأسرتي ، إلى أن شاءت الأقدار وعشت ومازلت أعيش في منطقة أهالي المحاربين القدامى في سيدني ، كما وعملت لمدة اثنتي عشرعاماً كموظفة إدارية في مستشفى كونكورد المتخصصة في علاج أهل المحاربين القدامى ، حيث اكتسبت معرفة ودراية بهؤلاءعن كثب . كما وأذكر واحداً منهم كان زميلي في العمل يدعى (Bill Thorne) ، وكان يحدثني دائماً عن قصص الحرب العالمية التي اشترك فيها ، وسألني يوماً لأرسم صورة ابنه ففعلت ، وعندما تقاعد عن العمل ، طلب المدير مني أن ألقي كلمة وداع بمناسبة تقاعده … فألقيتها بكل فخر واعتزاز . أما جيراني في المنطقة فقد كان معظمهم من أرامل شهداء الحرب يتصفن بدماثة الأخلاق وجمالها .
من تلك المواقف وغيرها ، كنت دائما ً قريبة من قصص هؤلاء الذين خدموا في الحرب ، وما زلت حتى الآن أشعر دوماً بقرب المسافة بين الجروح والأوطان والبشر . وأتساءل دائماً في نفسي متى يتوقف نزيف الحرب ويبدأ ميلاد المحبة والسلام من جديد ؟  ودائماً يراودني الأمل ربما بعد حين… ربما اليوم !… ربما غداً! … ربما يوماً ستسعى الأمم !… فيما يتعلق بمسألة تحول الآلام المشتركة إلى أداة للصداقة والإخاء ، عساه يصيرقواد العالم مستعدين للتعاون في إنهاء الحروب وتحويل هذا القرن إلى قرن محبة وسلام  .
كان جميع هؤلاء المحاربين القدامى من مشاركي حرب غاليبولي . وكما يعرف البعض ، أن معركة غاليبولي قد بدأت في فبراير/شباط 1915 عند محاولة أسطول بريطاني فرنسي السيطرة على مضيق الدردنيل بهدف غزو اسطنبول عاصمة تركيا أي الدولة العثمانية المتحالفة مع ألمانيا ومن ثم الدخول إلى الجزء الشمالي الشرقي . وبعد صد هجومهم في مارس/اذار، نفذ الحلفاء الهبوط في 25 نيسان/ابريل في غاليبولي . لكن بعد حرب خنادق دامية استغرقت تسعة اشهر وأسفرت عن مقتل وإصابة ألآلاف ، فكانت معركة حقيقية طاحنة تستحق أن يسجلها التاريخ .
ولأنه في هذا العام 2015 هي الذكرى المئوية لمعركة غاليبولي الضارية ، فإني أتذكر جميع الأستراليين الذين خدموا في الجيش وتوفوا في تلك الحرب ، وعلى وجه الخصوص الراحل الجندي آيفرسون الذي وجدت خوذته بين الأنقاض في الفناء الخلفي للمنزل . هذه الخوذة هي من قبل مائة عام ، أي منذ معركة غاليبولي في الحرب العالمية الأولى .
واليوم أود أن أذكر تكريم جميع هؤلاء قدامى المحاربين في الحرب العالمية الأولى ، وخاصة أسماء الذين التقيت بهم خلال اثنتي عشر عاما أثناء عملي في المستشفى . لقد التقيت بعائلة المحارب آيفرسون مرة واحدة فقط في حياتي أثناء رؤيتي لمنزلهم الذي كان معروضاً للبيع . ومع ذلك كنت متابعة تطورالحالة الصحية للسيد آيفرسون لإعطاء أخباره لأهل الجيران من أهل المحاربين القدامى الذين اعتادوا السؤال والاطمئنان عنه. وكما هو مقدر ومع مرورالزمن ، فإن كل هؤلاء الجيران قد وافتهم المنية . فأصبحت المنطقة اليوم مأهولة بسكان الأجيال الشابة … ولكن الذكريات لا تزال تسكن قلبي وتغمر كياني ، لأن أرواح الشهداء الخالدة لا تزال تعيش في العالم الأبدي .
 ولذا فإن وجود هذه الخوذة في حوزتي قد أوحى إليّ باستخدامها في الفن الضوئي وشاش غزة من أجل ذكرى صاحبها بشكل خاص وجميع الجنود الذين حاربوا وسقطوا في المعركة الدموية بوجه عام . هذه الخوذة التي يعود تاريخها إلى الحرب العالمية الأولى قد أصبحت في مخيلتي وكأنها رمز لروح أنزاك ، حيث تعبرعن نفوس كل هؤلاء الجنود الشهداء كدعوة للسلام وتضميد الجراح ،  وأسأل الله هنا أن يتغمد أرواحهم بواسع رحمته.
وفي هذه المناسبة ، فأنا أتذكر أيضأ جميع الجنود الذين يشاركون حاليا في الحروب حول العالم ، وبالذات البلاد الشرق أوسطية مثل العراق وسورية وغيرها ، بما فيهم الفلسطينيين المجندين دائماً من أجل الدفاع عن أوطانهم … وآمل كذلك إنهاء الحروب وأن يسود السلام في العالم . وأود أيضا أن أشيد بجميع الاستراليين الذين يحافظون على احترام الهوية الوطنية الاسترالية ، لأني في الأصل مهاجرة فلسطينية ، ولي الفخر بأن أصبحت مواطنة استرالية بمحض اختياري . كما وأني أحب استراليا وأشعر بالامتنان لهذا البلد العظيم العلماني الديموقراطي الذي احتض التعددية الثقافية والعدالة الاجتماعية ، ونصلي للرب خالقنا من أجل حمايته دائما وأبداً .
مارسيل منصور- سيدني- استراليا  April 2015 25

“المعرض الضوئي الفني وتسلم جائزة سفيرة السلام من “اليو بي إف

Marcelle-and-Maurice-Mansour-receive-the-Ambassador-of-Peace-UPF-Award-300x165 Marcelle-Mansour-receives-the-Ambassador-for-Peace-Award-from-Gregory-Stone-President-of-UPF-300x165 (1)

By Marcelle Mansourبقلم مارسيل منصور

أقام الاتحاد العالمي للسلام (UPF)  “اليو بي إف” في يوم الإثنين 6 إبريل نيسان 2015 في مقرسفارتة في سيدني ، ندوة بعنوان « قدرة الفن في صناعة السلام ، استضاف فيها معرض  ثريشهولد” « الضوئي كجزء من برنامج السنة العالمية للضوء لعام 2015 ، برعاية اليونسكو للأمم المتحدة ، وقد دعيت شخصيا ضيفة للندوة من أجل عرض أعمالي الفنية وتقديم حديث الفنان بعنوان ” الفن، الضوء ، والسلام في العالم “. قامت بتنسيق الندوة السيدة كاترين فان دينكلاج ، و كانت عريف الحفل السيدة ايلا ويلليتيس رئيسة الاتحاد النسائي للسلام العالمي في أستراليا، كما وحضر الحفل نخبة من سفراء السلام في استراليا من مختلف الخلفيات العرقية مع عائلاتهم وأصدقائهم بما فيهم السفراء الأستراليين ذوي الأصول العربية والأشورية: السيد هرمزإيشو ، والدكتورعلاءالعوضي مع زوجته السيدة نادية العوضي وابنه السيد سلطان العوضي
ألقى السيد غريغ ستون حديثاُ توضيحيأً مفصلا ًبعنوان « بناء ثقافة السلام من خلال الفن»، أسرد فيه شرحاً وافيا حول دورالفن وتأثيره في صناعة السلام ، والذي يمكن تلخيصه على النحو التالي: من أهم خصائص مهام الاتحاد العالمي للسلام هو بناء عالم يسوده السلام من خلال المبادئ الخمسة وهي : الله ، القيم الروحية ، الأسرة ، الخدمة والوحدة ، وكل هذا يتم من خلال تعاون البشر خارج حدود الأصول العرقية والدين والجنسية من حيث إعادة النظروالتقييم في مختلف القيم والقضايا المتنوعة المعاصرة ، فنحن نعلم تماما ً أننا أصبحنا اليوم نعيش في عالم يعاني من العنف والأزمات المتعددة التي تؤدي إلى تزايد أسباب اليأس . كما وتحدث السيد ستون حول الفكرفي نظرية الفن بما ويتوافق مع قبول المبادئ الأساسية لله ، لأن الله هو الفنان العظيم في الأصل : فهوخالق الكون وصاحب الإبداع في العمل الفني للوجود ، كما وأننا نعلم أن هناك تشابه بين الله والإنسان لأن الله قد خلق الإنسان على شاكلته ، كذلك يجب ألا ننسى أيضاً ان هناك علاقة أساسية وجوهرية بين الفن والأخلاق ، كما وأن الجمال الحقيقي لا يمكن أن يقوم إلاعلى أساس المحبة الحقيقية
وأعقب ذلك حديثي عن الفن ،  وقراءتي الشعرية لقصيدتي بعنوان «الحوار الروحي مع الضوء» ثم عرضاُ لأعمالي الفنيةعلي الشاشة . وهذه هي بعض مقتطفات من نص الحديث : «بعد إنجازي لمعرض ثريشهولد الضوئي ، كنت قد اعتمدت عرضه خلال العامين 2014 و 2015 ، خصوصاً وأنه تزامن مع الذكرى العالمية بمناسبة مرور مائة عام على الحرب العالمية الأولى ، إلى جانب الإعلان بأن عام 2014 هو السنة العالمية للتضامن مع الشعب الفلسطيني . كما وأن المعرض يتزامن أيضا مع السنة العالمية للضوء لعام 2015 وهي السنة التي يحتفل فيها العديد من جميع القطاعات العامة من حيث الأعمال التجارية والتعليم والفن والعلوم ، بغرض الاعتراف والتقديرلأهمية الضوء في حياتنا . ويجدرالإشارة إلي أن معرض ثريشهولد الفني قد فاز في المسابقة التي تقدمت إليها من أجل إدراجه في المعرض الدولي حيث استضيف في مدينة نيويورك ، الولايات المتحدة الأمريكية في مارس 2014 . كما وقد عرض أيضا في مركز الفنون في بانكستاون في أبريل عام  2014، وفي متحف ماري ماكيلوب من 10 ديسمبر 2014 إلى 30 مارس  2015

وهذا ملخص ما جاء في حديثي:
“إن أعمالي الفنية ما هي إلا تعبيرعن هويتي ، وقضية بلدي ، والتاريخ والعالم … فمن خلال معايشتي للواقع ، تتكون لي رؤية جديدة من أجل التغيير إلى الأفضل . ولهذا فإن الفن يعتبر محور أساسي في السياسة والعلاقات الاجتماعية ، لأنه يمكن أن يوجد لنا مفاهيم جديدة وأن يغير من الخبرات الشائعة لدينا ، وبالتالي يعمل على إعادة صياغة أنفسنا والعالم من حولنا بصفة مستمرة… وفي هذا السياق آمل أن يتحلى السياسيون والقادة بقليل من الروحانية والإبداعية حتى يساعدهم هذا على قيادة العالم بطريقة أفضل . ففي اعتقادي – وبدون شك – أن السياسيين والزعماء وقادة المجتمع هم بحاجة إلى الإرشاد الروحي من أجل إعادة توجيه وتثقيف الأجيال الصاعدة نحوولادة فكرجديد ، نحن في أشد الحاجة إلى نوع من التحول العميق الذي يعمل على التغييرالجذري من أجل إعادة بناء أنفسنا والعالم . إن الفن لديه القدرةعلى تشجيع السلام والدعوة إلى مكافحة الحرب ، والعنف ، والهمجية ، والإبادة الجماعية ، والدول المناهضة للقمع … كما وأنه يلهم الإنسان من خلال التأمل والإدراك على خلق إنسانية جديدة تعمل من أجل المحبة وتحقيق السلام العادل في العالم .”

في خلال الندوة تم تعيين أربعة أشخاص من مختلف الجنسيات كسفراء للسلام وتسلموا جائزة اليو بي إف للسلام بما فيهم كاتبة هذه السطور (مارسيل منصور) و السيد موريس منصور. وقد تخلل الإحتفال عزف موسيقى للملحن / الفنان السيد شيهيرو ميدوريوا الأمين العام للإتحاد ، وقام بتصويرحفل الندوة المصور السيد بيدروحجة. واختتم الحفل بتناول المرطبات والمشروبات والتواصل الإجتماعي من أجل السلام حيث لاقت الندوة نجاحاً باهراُ .وأود هنا أن أشكر جميع أعضاء الإتحاد الذين حضروا وشاركوا في الندوة وعملواعلى إنجاحها

حاجتنا إلى التحول في هذا العصر