يقول الكاتب : ” أسميت الكتاب باسم أحد المسرحيات المسماة بهذا الإسم ، (الطريق إلى بغداد) هي ليست سوى اسم رمزى يشير إلى ظاهرة الإقتتال والحرب والدمار التي تعم بلادنا “. لقد كتب المؤلف مشاهد هذه المسرحيات في ظل أجواء الحروب الداخلية والإنهيارالتي لاتزال تعيشها المنطقة العربية. فهو المؤرخ الشاهد لأحداث العصرالمظلم وما ينتابه من كوارث وقتل ونهب وتدمير تراث وإبادة آثار و تهجير بشر.
أود هنا – لو سمح لي القارئ – أن أستعرض بعض القبسات من مقتطفات الكتاب ، ففي حوار المسرحية نفسها ، (الطريق إلى بغداد) يقول ’الرجل المجهول الإسم’ :” …عندما يأتون يجدون ألف سبب لكي يتحاربوا” ص24… والآن لا يوجد سوى الحرب” ص25 ، فترد عليه ’عدلة ’ – وفي تخمينها أنها الشخصية الوحيدة التي نجت من الحرب – فتقول : “إذن لم يعد في ذاكرتك سوى الحرب؟” وبعد أن طال الحواربين هاتين الشخصيتين وهم يحاولان التفكير والتمحيص والتحليل في أسباب الحروب – “كالأنانية ” مثلاً – ووضع الحلول لها ، يستخلص ’الرجل’ بأنه ” …لا يوجد سوى حل نزع فكرة الحرب من العقول …..لا بد من اجتثاث الفكرة من الجذور.” ص 27 . وهنا لا أخفي على القارئ كم أحببت هذه العباره …لأنها تحمل نفس المعنى للأطروحة التي أنجزتها مؤخراً في أعمالي الفنية بعنوان “ثريشهولد 2013” أي “نقطة التحول” والتي أستخدم فيها الضوء وأدعو إلى إنهاء الحرب والتغيير الجذري من أجل السلام العالمي وولادة إنسانية جديدة . ولا بد وأن أشيرهنا إلى وجه التشابه في الهدف والمغزى في أعمالنا الإبداعية ! وكيف لا نتشابه نحن المبدعون في الفكر والإحساس؟ وكيف لا ؟ خصوصاً إذا كنا نحن فلسطينيون في الجذور – مسيحيون ومسلمون – نعيش في بلاد الإغتراب ونتفاءل بإشراقة الأمل ! ولعلني أذكر هنا في مسرحية (السفينة تغرق) تغني’ ليلى’ : ” آه كم نحتاج لنقطة ضوء ولو بحجم شمعة ” ص 68 ، كما وتغني’ أمل’ للفرح : “يا وردة الطيون العطرة …وبهية مثل امرأة من يافا” ص69 . وفي مسرحية (مسافرون في الزمن الجليدي) يقول المؤلف “لا تهجروا سنابل الأمل” ص83 ، ثم يتغنى بصوت الرومي (في حضرة جلال الدين الرومي) بلغة “التسامح وصفاء الروح” ص 90. وفي مسرحية (الفكرة القاتلة) يتحدث عن أنانية الإنسان المضاعفة في وقت الحروب ص 33، وفي مسرحية (الوحش قادم) حيث تخيم الكآبة التي تقتل الجميع في بكاء الغابة المظلمة ، ولكن تنسحب الغيمة وتشرق الشمس لتيقظ الضمائر وتهزم الوحش المفترس لتضيئ أقواس قزح ص53 . أما في مسرحية (لأجل مجد كنعان) فقد تنتهي بأن تدخل الملكة ’ بعليت ’ المعركة بنفسها ضد الأعداء ص65 وهي التي قالت : “جيشنا صغير لكن إرادتنا كبيرة” ص 61 ، وفي اعتقادي أن المؤلف هنا – وهو الفلسطيني الكنعاني الأصل – يرمز إلى فلسطين المحتلة وشعبها ، وفي (الروابي التي ماعادت لنا) يكرر” لا تنسوا أرض كنعان” ص 77 . كما وتتخلل المسرحية طيفً من الأشعار : “يبكي على مصير الإنسان”ص 80 . ثم في (أخيراً جاء الطفل) والحوار الجدلي بين الجدتين المسيحية والمسلمة والصراع ما بين القديم والجديد ص 100، ففي هذه المسرحية يكتشف المؤلف أعمق الأسباب الموضوعية للتغيير الإنساني والتسامح الديني والطائفي والرغبة في الإنفتاح والتعايش الأخوي . وفي كل المسرحيات الأخرى التي يحكي فيه الدكتور نزال عن المواقف الإنسانية – مثل مآسي الحياة في التاريخ الفلسطيني والصدمات والأزمات التي تتحكم في المصيرالبشري ، فهو يعمل على تأويل محتويات الشعور و إلقاء الضوء عليها والكشف عن التجارب الإنسانية وما ينطوي فيها من تصوير مواقف الألم والأمل.
هذه بعض من مقتطفات لبعض المسرحيات التي جاءت في كتاب الدكتور نزال والتي لا يمكن حصرها هنا ، إذ يكشف فيها لنا عن حقيقة التاريخ الفلسطيني في ظل معايشة الحروب والنضال من أجل الإستقلال ، وينقلها للقارئ في مسرحيات معاصرة على أمل أن تخرج إلى عالم النور لتمثيلها و رؤيتها على خشبة المسرح .
أقولها هنا بمرارة وأسف شديد ، أن هذا العصرالمحيرالذي نعيش فيه قد أصبح ينتابه العديد من ألوان الشروالظلام الحالك ، إذ تختلط فيه المفاهيم وتتشوه الموازين ، في زمن مادي مضطرب ، ملطخ بدم الإرهاب البربري الذي يهدد استقرار العالم شرقاً وغرباً . فنحن في عصر الكوارث التي أصبحت تتلاشي فيه المعاني الحقيقية لجوهرالقيم الهامة في حياتنا : مثل مضمون الإنسانية ، الديموقراطية ، الحرية ، التحرر، الحق ، القانون ، العدالة و حقائق التاريخ وغيرها ، وكم يراودنا القلق خشية اندثارها . فالكاتب يتابع بقلق شديد ما يحدث فى بلاد الشرق من أعمال الطرد والتهجير والقتل الشنيع من أجل التطهير العرقى والثقافى الذي تقوم به جماعات بربرية لفرض ثقافة غريبة وتدمير النسيج الاجتماعى والثقافى للبلاد الشرقية ، دون أن تقيم وزناً لأى اعتبارات أخلاقيه أوإنسانيه أودينية . كل هذا يحدث في خضم الصمت دون رفض أو إدانة لهذه الأعمال الهمجية . هذا إلى جانب تزايد العنف والإرهاب في العالم . و لذلك فإن في أعماله الإبداعية هذه في فن المسرح تتوق إلى هدف محدد في الفن المعاصر ، ألا وهو لفت نظر العالم إلى إعادة التفكير فيما يحدث و تغيير الرأي في العالم إزاء استمرار أزمات الحروب المتتالية وتزايد العنف والتعصب والإرهاب ؟ خصوصاً تجاه الدول التي تعاني من القهر و مرارة الاحتلال والشتات الناجمة عن الحرب مثل بلادنا فلسطين ، والعراق وسوريا وغيرهم من الدول التي لديها ما يكفي من الجروح العميقة الدائمة والتي لا يمكن أن “تلتئم” إلا من خلال التغيير الجذري نحو خلق “إنسانية جديدة”. إن ما نجده في تأليفه الأدبي من شعر ومسرحية وقصة ، إنما يتناول مواد مستمدة من نطاق شعوره . هكذا يشعر ويفكرهؤلاء المبدعين من أبناء فلسطين ، فلا شك أنهم قطعة من نسيج التاريخ الذي حمل و لا يزال يحمل الهمّ الفلسطيني على عاتقه ، ويعمل جاهداً من أجل التغيير وإنهاء الإحتلال و رفع راية الحرية والسلام .
بعد انتهائي من قراءة كتابه (الطريق إلى بغداد) – من مسرح الحرب – أصابتني رعشة حزن تبعتها نشوة ابتهاج ، حزن الألم وابتهاج الأمل . فالدكتور نزال يسكب المشاعر كلمات حية يصوغ منها قباباً للأمل والحياة في كلام بسيط وصور شعرية بعيدة عن التكلف ، ولذا فإني أرى أن البساطة في أسلوبه هو فاتحة للجمال والعذوبة والسلاسة حيث تدخل إلى القلوب دون استئذان . وكتابه بالرغم ما فية من االمرارة والأسى فإنه طافح بالمحبة والأمل والتوق إلى الحرية والحياة .
هنيئاً لكاتبنا المميز الدكتور سليم نزال صدور كتابه الجديد ، وإلى المزيدٍ من العطاء والإنجاز الإبداعي .
“الطريق إلى بغداد” هو كتاب الكترونى ومجانى ويمكن الحصول عليه من عدة أماكن مثل دارالنشر و كتب غوغول ،
https://books.google.no/books
“الطريق إلى بغداد”
الطبعة الأولى ، لندن
المؤلف: سليم نزال
E- Kutub Ltd الناشر:
Salim_nazzal@yahoo.com
104 Pages
ISBN: 9781780581415